منصور الرفاعي ">
إلحاقاً للمقال السابق المنشور تحت عنوان مبادئ القانون بتاريخ 30-8-2015م نقول: إن القاعدة الفقهية والنظامية تتسم بالعمومية والتجريد، والهدف من العمومية والتجريد هو تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع، فالعموم يتعلق بالحكم في القاعدة، والتجريد يتعلق بالغرض في القاعدة، فبالنسبة للحكم الذي يتعلق بالعموم، نقول:
1- حكم القاعدة ينطبق على جميع الأفراد الذين تتوفر فيهم الصفات المحددة بها (عمومية التطبيق على كل الأفراد).
2- حكم القاعدة ينطبق على جميع الوقائع التي تتوفر فيها الشروط الواردة بها (عمومية التطبيق على كل الوقائع).
3- حكم القاعدة ينطبق على كل أجزاء الدولة، فلا يخص تطبيقها في جزء معين من أجزاء الدولة، بل يعم كل أقليمها (عمومية المكان). حكم القاعدة ينطبق على زمان معين (عمومية الزمان)، فالعمومية تعني الدوام والاستمرار بالنسبة للزمن، والتجريد يعني عدم تعلق القاعدة بشخص معين بل عامة
أمثلة للعمومية القاعدة الفقهية والنظامية:
أولاً: القاعدة النظامية التي تقضى بأن البلوغ لدى الفرد هو بلوغه لسن الثامنة عشرة، أي تحدد سن البلوغ بالثامنة عشر عاماً، ووضع هذا السن سناً للرشد.
ملاحظة: هذه القاعدة مبنية على الأمر الغالب لأنه من المعروف أن السن ليس من العلامات القطعية الدالة على البلوغ، ولكنه (أي العمر) من المقربات الدالة على أن الفرد قد قارب وناهز البلوغ، لذا نجد أن الفقهاء قد وضحوا علامات دقيقة تدل على البلوغ، بينما نجد أن النظام حدد البلوغ مع أنه في بعض المناطق الباردة من العالم قد يتأخر البلوغ لما بعد سن الثامنة عشرة. والبلوغ أمر عضوي، أي له علاقة بأعضاء الإنسان. والرشد أمر معنوي يتعلق بالتصرفات المقبولة من الفرد، وهو ما يتعلق بأهلية الأداء، وفي العادة فإن الرشد يكون مقترناً بالبلوغ، ولكن قد تتخلف عنه كما هو الحال مع السفيه، وهو الذي لا يحسن التصرف بأمواله الخاصة، لذا نجد أن القاعدة النظامية تبنى العدل، بينما نجد أن الفقه مبني على العدالة، والفرق بين العدل والعدالة أن العدالة تراعي الفروقات الفردية بينما العدل لا يراعي ذلك بل يراعي الغالب في الفرد.
ثانياً: القاعدة النظامية التي تنص على أنه لا يجوز الاعتذار بجهل النظام. ملاحظة: هذه القاعدة مبنية على الأمر النادر لأنه من النادر أن يتابع الفرد كل الأنظمة التي تصدر وأن يلّم بجميع النصوص النظامية، لذا نجد أن الفقه امتاز عن النظام في هذه الناحية، فهناك أمور وأشخاص يجوز لهم فيه الاعتذار بالجهل، فبالنسبة للأشخاص أجاز الفقه الاعتذار من حديث العهد بالإسلام ومن يسكن البادية وهو منقطع عن الناس، وبالنسبة للأمور والقضايا فمن المعروف أن الشخص العامي لا يحيط بجميع الفروع الفقهية وأحكام الفقه الدقيقة، وهناك من هذه القضايا ما يكون متعلقاً بشكل مباشر بتصرفات الشخص، وهذا في الأمور الفرعية، أما الأمور الأساسية كالاعتقاد والفرائض والواجبات والمحرمات المعلومة من الدين بالضرورة فلا يجوز الاعتذار فيه بالجهل، وأما النظام فلم يفرق بين النصوص الأساسية والنصوص الفرعية، فنص النظام على أنه (لا يجوز لأحد أن يعتذر بالجهل).
ثالثاً: القاعدة النظامية التي تنص على أنه يعتبر سعودياً من ولد على أقليم الدولة من أبوين مجهولين. ملاحظة: إذا صدر الخطاب أو الحكم إلى شخص معين باسمه أو بشأن واقعة معينة بالذات فإنه يكون أمراً لا قاعدة مثل:- القرار الملكي الصادر بعزل موظف كبير، أو بمنح الجنسية السعودية لأحد الأجانب، أو بتعيين أعضاء مجلس المؤسسات العامة، فهو قرار يتعلق بشخص معين بذاته وبالتالي لا يعتبر قاعدة وإنما يعتبر أمراً أو قراراً إدارياً، ولا تتعارض العمومية مع كون القاعدة النظامية تتعلق بطائفة معينة تنظم شؤونهم ومصالحهم كنصوص نظام العمل والعمال، كما تنطبق القاعدة على شخص واحد ومع ذلك تعتبر قاعدة نظامية عامة لأنها تنطبق على هذا الشخص بصفته (على منصبه) لا بذاته، مثل القاعدة النظامية التي تحدد سن رئيس الدولة ورئيس مؤسسة ما بسن معين، أمثلة تجريد القاعدة الفقهية والنظامية التجريد يتعلق بالفرض في القاعدة، فيقصد به أن القاعدة عند نشأتها تنشئ مركزًا أو وضعًا لا يتعلق بشخص معين أو واقعة معينة، أي أنها لا تتكلم عن شخص معين بذاته وإنما تتكلم عنه بصفته. تجريد القاعدة عند نشأتها يؤدي إلى عموميتها عند التطبيق، ولذا لم نكتف بقول التجريد فقط لأن العمومية والتجريد يختلفان من حيث المحل، فالتجريد يتعلق بالفرض، والعموم يتعلق بالحكم، أمثلة:- كل من لم يبلغ السابعة من العمر يعتبر معدوم التميز، فهذه قاعدة مجردة لأنه لا يقصد منها شخص بذاته وإنما تنطبق على كل من تتوافر فيه شروط القاعدة دون أن يحدد سلفاً من الذي تنطبق عليه.
فالقاعدة الفقهية والنظامية تنظم سلوك الأفراد في المجتمع وتسمى بقاعدة السلوك الاجتماعي، فذكرنا أن القاعدة الفقهية والنظامية ضرورة وأن القاعدة مرتبطة بوجود المجتمع، فلا يوجد مجتمع بلا نظام، ولا يوجد نظام بلا مجتمع وبالتالي نجد أن المجتمع يتطلب قدرًا من الأمن والنظام والاستقرار، وهذا لن يأتي إلا في وجود القواعد الفقهية والنظامية التي تحدد للأفراد ما لهم وما عليهم، أي أنها تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، كما أن مجال تطبيق النظام يكون على الأفراد والذين هم من يكون الجماعات ثم المجتمع بأكمله وبالتالي لن يوجد النظام إلا مع وجود الفرد. فالقواعد الفقهية والنظامية تستهدف تنظيم العلاقة الاجتماعية وتوجيه سلوك الأفراد وجهة معينة، فهي قواعد سلوكية تفرض علينا سلوكاً معينة وتسمح لنا بالقيام بسلوك معين فمثلاً: القواعد الفقهية تحظر علينا قتل النفس إلا بالحق، وبأن يوفي المدين دينه، وتسمح للمالك باستعمال ملكه أو استغلاله أو التصرف فيه.
وتتسم القاعدة الفقهية والنظامية بأنها ملزمة والدليل على ذلك نجد أنها مقترنة بجزاء في حالة مخالفتها. فما هو مفهوم الطابع الإلزامي: إن النظام في المجتمع لن يتحقق إذا ترك للأفراد حرية إتباع أو عدم إتباع القواعد الفقهية والنظامية، لذا فإن القواعد الفقهية والنظامية ملزمة للأفراد، والأصل أن يتم إتباع القواعد الفقهية والنظامية اختيارياً ولكن بعض الناس قد لا يلتزم بها، وهنا تتدخل الدولة لتطبيقها ولو بالقوة عند الاقتضاء، وذلك بتطبيق الجزاء المقترن بها، فاقتران الجزاء بالقاعدة الفقهية والنظامية أياً كان نوعيته يعطيها الصفة الإلزامية. تعريف الجزاء:- الجزاء بصفة عامة هو رد الفعل الذي يترتب على مخالفة القواعد الفقهية أو النظامية، وتوقعه السلطة العليا في المجتمع على المخالف، أي: هو النتيجة المترتبة على مخالفة الغرض في القاعدة، بسبب إلزامية القاعدة الفقهية والنظامية، ملاحظة: أنواع الجزاء في القاعدة الفقهية ينقسم إلى نوعين الجزاء الأخروي - الجزاء الدنيوي وتوقعه السلطة (ويتمثل هذا الجزاء في القصاص، والحدود والتعزيزات). أما أنواع الجزاء في القاعدة النظامية دنيوي فقط. ..................يتبع
- المحامي والمستشار القانوني