نوال صعفق العتيبي ">
كمسلمين نؤمن ونحفظ العديد من النصوص الدينية سواء من الآيات او الأحاديث التي تدعو للمساواة وتنبذ العنصرية والتفرقة والتعصب للون أو قبيلة او التعالي على الآخر ونرددها في صلواتنا وعباداتنا فمن ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) (13) الحجرات. إلى ((إن ربكم واحد وإن أباكم واحد فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى)) حديث حسن. ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض)) رواه الترمذي. وأيضا نعي ونؤمن تماما أن ميزان المفاضلة عند الله والتقرب له سبحانه هي التقوى والأخلاق الحسنة وأن المسلم قد يدخل «بحسن خلقه» الجنة لا بأصله وجنسيته ولونه.
هذا ما نؤمن به جميعا على سبيل المعتقد والترديد اللساني، ولكن للأسف لم ينزل حيز الواقع والتطبيق في أفعال البعض منا، ويمكنك أن تلمس ذلك من خلال نزولك للشارع المحلي ورؤيتك لطريقة تعامل البعض من مواطنينا مع أبناء الجنسيات الاخرى، أو حتى مع من هم ليسوا من منطقته أو قبيلته، وترى ذلك أيضاً من خلال بعض وسائل الإعلام التي روجت لذلك على سبيل الكوميديا. أو من خلال تنابز وتعصب شبابنا الواضح في وسائل التواصل الاجتماعي. فهم يرون غيرهم الأدنى والأقل وهم الأعلى والأفضل، وأنهم قد خلقوا من طينة مختلفة او ان الله اصطفاهم بكرامة ليست لدى غيرهم من الجنسيات الاخرى. والمفارقة الطريفة أن من يفعل ذلك هو من أكثر من يحفظ تلك الآيات والأحاديث عن المساواة بين الألوان والأعراق في الدين الإسلامي يحفظها كما يحفظ شجرة عائلته وأصلة.
ومع كل إعلان عن حملات التبرعات الرسمية التي تطلقها حكومتنا مشكورة لمساندة الدول المنكوبة حتى من غير الاسلامية والتي ابتلاها الله بكوارث طبيعية أو حروب، ترى تهافت المواطنين للتبرع والعطاء والبذل فنرى من يتبرع بسيارته ومن تتبرع بمهرها ومجوهراتها. ويصل اجمالي التبرعات في نهاية كل حملة إلى أرقام فلكية جعلها الله في موازيين حسناتهم.
وما أن تصاب أحد الدول الاسلامية بأزمة حرب ونزاعات داخلية. حتى يبادر شبابنا لجهلهم وقصر فهمهم او ربما لفتاوى ضالة أخذت من مصادر مجهولة أو مشبوهة أعمت بصائرهم. فأضحوا يقدمون شبابهم ونفوسهم في سبيل نصرة تلك الدول من خلال الانخراط في جماعات ضالة ومتطرفة بغض النظر عن جنسيتها ولغتها وتوجهاتها.
والمضحك المبكي أن من يقف على المنابر للدعاء لتلك الدول بالنصر والتباكي على حالها ومن يؤمن لدعائه خلفه هو من يقف بجانب فتاوي وخلافات تكافؤ النسب التي سمعنا عنها في بعض المناطق وانتهت بتفريق الزوجين بغير وجه حق. وأيضاً من بين هؤلاء تجد من يتعالى عن التعامل على أبناء الجنسيات الأخرى أو ربما حتى الدخول معهم في علاقات اجتماعية. بل عند الرغبة منهم مصاهرته تقوم الدنيا ولا تقعد. متناسين مبادئنا وقيمنا الإسلامية التي تؤمن بالمساواة بين البشر وأن الله جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتصاهر وأننا جميعا أحفاد صحابة كرام منهم القرشي والرومي والفارسي والحبشي والقبطية.
أخي المواطن: أين دعاؤك وتبرعاتك وجهادك من هذه الأفعال. أم هو تقبل انتقائي تجعله حيثما يناسبك قيمك الوضعية وعاداتك القبلية البالية التي لا تمت للدين بصلة والتي تنتقيها حسب أهوائك الشخصية. الإيمان بالمعتقدات الدينية قد شرعها الله لنا وأمرنا بها لينظم حياتنا وتعاملنا مع بعضنا وأن يراها في سلوكنا جميعه وان تعمل الجوارح ويؤمن القلب بما يردده اللسان. فالمختلف عنك سواء اختلاف في لسانه أو جنسيته أو لونه أو قبيلته، يريد أن يرى تقبلك ومحبتك له في سلوكك وتعاملك وأسلوب حديثك ومشاعرك ونظرتك له قبل أن يكون مجرد دعاء لبلده في المساجد وتبرعات تجمع ونفوس شباب تزهق لجهادٍ على باطل وشعارات رنانة ترددها في وسائل التواصل.
- باحثة دكتوراه جامعة الملك سعود