خير أيام الفتى يوم نفع
واصطناع الخير أبقى ما صنع
كل مدينة أو قرية وريف لا يخلو بمن لهم صلة في نفع بعض أفراد مجتمعهم سواء نفعا مادياً او علميا على مختلف تنوع مستوياتهم واتجاهاتهم، ومدى تأثيرهم فيمن حولهم، فمثلاً في المجال الطبي النظامي المعترف به دولياً، وهذا لاشك في عمومية نفعه، ورديفه الطب الشعبي المجرب والمقتنع بتجريبه قديماً وحاضراً، أمثال عمل الطبيب الشعبي الرجل الكريم عبدالعزيز بن محمد الجريبة الذي كان سبباً مباركاً في شفاء بعض المرضى من حريملاء وخارجها، وذلك بتوفيق من الله سبحانه وتعالى، حيث كان يستعمل (الكي) لأجل شفاء بعض الأمراض التي أعيت الأطباء فيشفوا بإذن الله على يديه، وقد انتقل الى رحمة الله يوم الثلاثاء 10/11/1436هـ وأديت صلاة الميت عليه بجامع الحزم ثم ووري جثمانه بمقبرة صفية بحريملاء تاركاً أثراً طيباً وذكراً حسناً، وقد حزن الكثير من محبيه ومعارفه على رحيله وغيابه عن نواظرهم لمايتمتع به من خلق كريم وسجايا حسنة. وعندما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده بأحد الكتاب بحريملاء فحفظ من القرآن الكريم ما شاء الله أن يحفظ، لكن حاجة والده للعمل معه حالت بينه وبين الاستمرار في إتمامه..، فلما كبر واشتد ساعده اضطرته ظروف الحياة الى الانتقال خارج حريملاء للعمل في طلب المعيشة وسد حاجته المستقبلية، ثم عاد الى بلده حريملاء، فحياته - رحمه الله - كلها كفاح ومتاعب جمة..، وفي أعمال الحرث والزراعة، وغرس فسائل النخيل والأشجار مع والده وشقيقه ابراهيم، حتى أثمرت واستمر انتاجها، وقد عاش طفولته وصباه محبوبا في أسرته ومع ابناء جيرانه وأقرانه شأنه شأن أمثاله من الصّبية والفتيان الصغار،.. ومن خصاله -رحمه الله- أنه كان كريماً مقصداً لأسرته وجيرانه في اجتماعاتهم وأعيادهم، سمحاً في تعامله عفواً عن غيره حتى في حقوقه المالية..، وكان عطوفاً على الفقراء والأيتام بالإحسان اليهم فيمنحهم ما تيسر، ونقول له:
ستلقى الذي قدمت للنفس محضرا
فأنت بماتأتي من الخير أسعدُ
وقد اقتطعوا قطعة أرض من ملكهم في حياة والدهم الواقع على حافة الوادي الكبير، وبنوا عليها مسجداً منذ عقود من الزمن، ثم جدد بناؤه في العام المنصرم - جزاهم الله ً- وجميع المحسنين خيراً، وظل مؤذنا فيه أكثر من أربعين عاماً مواظباً على الحضور وحتى في أواخر حياته يأتي متحاملاً على نفسه محمولاً على متن سيارته، ثم بالعربة لعدم استطاعته المشي احتساباً للأجر من الله جل ذكره، وكان مرحاً سمحاً في تعامله مع الناس، دمث الأخلاق ومقبول الدعابة الخفيفة مع أحبته ومعارفه، فمجلسه لا يمل..، وكان طبيباً شعبياً ناجحاً ومحبوباً لدى من يؤمه من المرضى حيث كان يستعمل (الكي) في معالجته الكثير من الحالات مثل: عرق النسا، والعنكبوت التي غالباً ما تكون في أطراف أصابع اليد وكيها يكون في عضد الإنسان، - وقد اكتويت بمثل ذلك فشفيت - بإذن الله - لدى الشيخ الراحل محمد بن ناصر العمراني - رحمه الله -كذلك مرض (الحبة أو النفرة) القاتلة إن لم تُبادر بالكي في مؤخرة الرأس مجمع عروق الرقبة.. ومكانها يكون في الحنجرة وأقصى الأنف..، وغير ذلك من الأمراض الأخرى، فأبو عبدالله مُوفق وقد نفع الله به خلقا كثيرا من محافظة حريملاء وغيرها، فالطب الشعبي في بعض الحالات التي لا يؤمن بها الأطباء النظاميون يفيد بإذن الله، ومن الطريف في الأمر أنه قد اسُتدعي الشيخ محمد بن ناصر العمراني الطبيب الشعبي المشهور بالمهارة وقوة الفراسة في معرفة الطب لعدد من الأمراض المستعصية وحتى طب العيون، فقد ذهب به إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات بعدما حار بعض أطباء (بوستن) في تشخيص مرض رجل معروف.. فكواه هُناك فحسنت حاله، حسب ما سمعناه منه عند عودته.. ومع مزاولة الأخ عبدالعزيز الجريبة عمله الطبي - رحمه الله - فقد عمل في عدد من الدوائر الحكومية بكل نشاط وإخلاص بمحافظة حريملاء حتى تقاعد، ولي معه بعض الذكريات الطريفة حينما حضر الى منزلنا هو ومعالي الدكتور محمد بن عبدالله العجلان وبعض الزوار: أخذت كعادتي في إهداء من يحضر بإهداء كل شخص كتابا، وعندما جاء دوره سلمت له (سيخ حديد 6ملم بطول 40 سم) مداعباً له حيث إنه طبيب شعبي ربما يحتاج اليه، وقد خلف- رحمه الله- عدداً من الذرية الصالحة نفع الله بهم: الأستاذ عبدالله، والدكتور محمد، والدكتور إبراهيم، والأستاذ عبد الرحمن، وعددا من البنات الفضليات.
تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذريته وأسرته ومحبيه الصبر والسلوان.
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء