تسويق المنتج الثقافي! ">
شراء طبق «معمول بالتمر» من إحدى الأسر المنتجة في الشمال، أو حقيبة صينية الصنع يروّج لها شاب في أقاصي الجنوب عبر منصات التواصل الإلكتروني أسهل كثيراً من الحصول على أحدث موسوعة ثقافية أصدرها أعرق دور النشر المحلية الرسمية.. الأخير لم يقتنع بأساليب التسويق، وقد يجهلها تماماً، وأهدر أموالاً كثيرة من أجل الحضور الناقص فضلت أعماله طريقها إلى الناس.
الصورة ليست جديدة، والشواهد كثيرة تدل على ضعف الصناعات الثقافية واعتماد القطاعات التي تدعي الانشغال بالمعرفة وقضاياها على مبدأ «التساهيل» ونبذ الاحتراف، والعداء للتخطيط، وإهمال تكامل العناصر المالية والإدارية والإنتاجية والتسويقية.
ربما كان ماضي العمل الثقافي لدينا أجمل مما يحصل الآن رغم المشقة التي واجهها الرواد في مسارات النشر والطباعة والتوزيع واستعادة الحقوق، لكنهم برعوا في التماس منهجيات واضحة ضمنت بقاء منتجهم واتساع رقعة المستفيدين منه.
اليوم اختصرت التقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي العديد من الخطوات، وألغت كثيراً من تكاليف الإنتاج والتسويق وقياس الأثر؛ وهو أمر شائع جداً في كل زوايا الحياة من التسلية إلى التجارة والإعلام.. والإدارة الثقافية مشغولة بندب حظها والتباكي على غياب القارئ الجاد وتدني النتائج المتوقعة.
أمضيت ثلاثة أشهر أبحث عن أحد أهم الأعمال الموسوعية التي أصدرتها دارة الملك عبد العزيز، وحدثني أشهر موزعي الكتب في جدة عن معاناته مع ناد أدبي، غير حريص، أصدر الأعمال الكاملة للشاعر محمد الثبيتي ثم يعطل وصولها إلى أيدي القراء، وفي هذا المجال تطول الحكايات عن أعمال إبداعية أصدرتها الأندية الأدبية ثم تركتها في ظلمة المخازن.
قبل أربع سنوات تقريباً كشفت تقارير صحفية مثيرة عن وجود 300 ألف كتاب في مستودع نادي جدة الأدبي التالف منها بلغ 120 ألف كتاب؛ وهذا دليل على بؤس الإدارة الثقافية وعبثها بمصادر معرفية قد يتعب المهتمون من أجل الحصول عليها.
وفي إجازة صيف هذا العام والعام الفائت سارع النادي إلى ابتكار طريقة ظاهرها التسويق وباطنها التخلص من أعباء الرقم أعلاه فزار أماكن تجمع السائحين يوزع عليهم إصدارات في النقد والألسنية والأسلوبية فذهبت إلى صناديق المهملات!.. وربما كانت وجهتها الحقيقية كليات الآداب وطلابها داخل البلاد وخارجها، وإتلافها بطرق صناعية خير من تعريضها لإهمال لا يتناسب مع قيمتها العلمية.
وضعف التسويق يمتد إلى الملتقيات الثقافية التي لا يعرف الجمهور شيئاً عنها إلا قبل انعقادها بأسابيع قليلة وقد ذهبت قوائم «الشلل الموحدة» بكثير من «الغنائم الهزيلة» ثم ينتقد القائمون عليها، من باب رفع العتب، غياب الأصوات الحديثة وعدم جديتها!
لم أر حسابات جادة للأندية الأدبية، أو جمعيات الثقافية، أو المكتبات العامة، أو المراكز الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل الانستقرام، الفيس بوك، تويتر تعرض خدماتها، وتعلن أهدافها وطرق الاستفادة من ممكناتها، وكيف يتصل بها الجمهور أو سبل وصولها إليهم لتكسر الأبراج العاجية التي بنتها طيلة عقود أوجبت ملامح العصر واحتياجاته وتبدّل طبائع المستفيد تحولاً في الأداء وتطويراً في التسويق والحضور.
في ظل ميزانيات القطاعات الثقافية لا يليق أن نجد كاتباً جاداً يطبع كتابه على نفقته، ويزور المكتبات لتوزيعه، ويستجدي إدارات معارض الكتب لاقتناص ساعات يوقع فيها للجمهور على نسخ تذهب مجاناً.
نأمل أن يستفيد القائمون على قطاعاتنا الثقافية من بائعات «المعمول بالتمر» و»هدايا الأطفال» و»الساعات المقلدة» أصول التسويق ليغدو المنتج الثقافي مطلباً حياتياً قريباً من مجتمعه والباحثين عنه!.
- محمد المنقري