إن المعايير الموضوعية للنص السردي تعتمد بشكل كبير ليس فقط على فحوى النص في حد ذاته بل أيضاً على طريقة عرض فكرته بمنأى عن أي رأي منحاز إلى الفكرة أو ضدها. أي استخدام جماليات السرد في قالب يجعل المتلقي يرى بعين مجردة، أحداثاً ومشاهد تجعله يعمل فكره ويحكم منطقه، بحيادية دون قسر عاطفي تجاه شخص أو حدث ما في الحبكة الروائية.
قال أحد الروائيين العرب في لقاء عبر وسائل الإعلام، من على منصة فوزه بجائزة، إنه تعمد في روايته المتوجة هذه أن يفضح كذا وينصف كذا، فسلب بإقراره هذا مصداقية نصه مع لحظة فوزه مباشرة.
ومما يدعو للشفقة أن يجلس روائي في لقاء ملخصاً روايته في جملة مقتضبة تحت رغبة الصحفي أو المذيع ليصفها لنا في بضع كلمات مما يدعو للتساؤل: كم عدد صفحات الرواية؟ لم كتبها ونشرها في كتاب إن كانت تختصر في كلمات قليلة؟ هكذا مصيدة تتطلب فطنة من الكاتب منتهزاً الفرصة إن كان واثقاً من جودة نصه ليروج لكتابه مرغباً في قراءته وليس اكتفاء المتلقي بملخصه المقتضب. كلنا نعلم أن عدد صفحات الرواية لا تعني أبداً جودتها أو رداءتها. الخلاصة هنا، من موضوعية النص أن يحمل مضمونه بشكل سلس دون إسهاب لا يضيف له شيئاً ويسبب الرتابة للمتلقي.
نموذج مثالي: القارئ المحايد والموضوعي والعاشق للقراءة قد يمسك بكتاب ويتأمل عنوانه ويمر بمحتواه ومن ثم يضعه جانباً بعد أن يفرغ منه. سيمضي بعدها وفي ذهنه أثر المحتوى، قد يوافق فكره وقد يكون جديداً عليه وقد يكون أقل من توقعاته. ما مدى تأثير ما قرأ في حياته/ذائقته بعد ذلك؟
هذه الموضوعية والحيادية إن توفرت في القارئ هل هي متوفرة بذات القدر لدى الكاتب ونصوصه؟
إن كنا ننشد الارتقاء بجودة الأدب والثقافة في مجتمعاتنا علينا أن ننظر للناتج الأدبي بحيادية. الكم محاولات والكيف درجة من الرقي في سلم النجاح. ولكن المحاولات من الممكن أن ترقى للجودة من أول مرة، فقط إن التزم الكتّاب الموضوعية منذ البدء في نسج نصوصهم. هل خطوة النشر لأي عمل الغرض منها الترويج لاسم الكاتب أم نصه أم كليهما؟! هذا محور مهم على الكاتب أن ينظر فيه بجدية: هل هدفه أن ينشئ قاعدة من القراء والمتابعين لأعماله من خلال نشر إبداعه أم إقامة حفلات توقيع وندوات أدبية ليظهر اسمه فقط؟ لا ضير أن يسعى لكليهما ولكن إن فقد المصداقية أمام القراء سيقصى اسمه ونصوصه من على رفوف مكتباتهم وأذهانهم، مهما جند من نقاد وصحفيين وإعلاميين للدعاية والترويج.
قد ينشر كتاب يحمل فكرة ورأياً معيناً، وبعده يقوم ذات الكاتب بنشر كتاب آخر يحمل أفكاراً مغالطة لما نشره في كتابه السابق. بطبيعة الحال من الممكن أن تتغير آراء الناس تجاه قضية واحدة بين لحظة وأخرى ولكن للحفاظ على المصداقية يجب الوقوف عند سبب تبدل الرأي لدى المتلقي وبشكل واضح لكي لا تتشكل غشاوة ويتوقف عن متابعة منتوج هذا الكاتب أياً كان.
تُدرك المعايير الموضوعية للكاتب والنص وطريقة سرده، بتفاوت درجة تطور الوعي والثقافة في المجتمعات، والتي نجدها في إقليمنا العربي مازالت في طور غير مُرضي وتتطلب الكثير من العمل والتوعية بأهميتها. هذه هي النهضة الفكرية التي ننتظرها أن تحمل عبء تراكمات أثرت سلباً في مصادقة الكِتاب وعزوفاً عن عالمه جيلاً بعد جيل.
- آن الصافي