أ.د عبدالله بن أحمد الفيفي
يَستعيدُ العُوْدَ عِيْدا
ويُغَنِّي كي يَعُودا
أَجْهَشَتْ عَيْنا حِصاني:
سَوْفَ أَحكي، لا مَحِيْدا:
* * *
رُبَّ تَلِوَيْحَةِ شَمْسٍ
أَجَّجَتْ ماءً وَقُوْدا
عُرْسُ (لُرْكَا) فِيَّ يَسْرِي
مِنْ هُيُوْلاها وَرِيْدا
عِطْرُ قَيْدٍ يَتَشَظَّى..
يَنْتَشِيْ.. يَرْتَفُّ عُوْدا
والغَوانِيْ غَازِلاتٌ
مِنْ حَرِيْرِ الضَّادِ بِيْدا!
* * *
يا نَوافِيْرَ حَمَامٍ
صَاغَتِ الآرامَ جِيْدا!
مِنْ عَبِيْرٍ مَرْيَمِيٍّ
في يَسُوْعٍ ضَمَّ هُوْدا؟
مِنْ نِيَافِ النُّوْنِ ثَارَتْ
في فَمِيْ نُوْرًا بُنُوْدا
إذْ أَمَاطَ ( الفَاوُ ) آلًا
واجْتَنَى الآيَاتِ غِيْدا
وصَحَتْ (كِنْدَةُ) صَدْرًا
ثَائِرَ الوَعْدِ عَنِيْدا
* * *
ها بَشِيْرُ الكَوْنِ كَوْنِيْ
أنا أَبْنِيْهِ قَصِيْدا!
ثالِثُ الرَّايَاتِ هَلَّتْ،
والرُّبَى جَلَّتْ سُجُوْدا!
وامْتَطَى النَّجْماتِ طَيْفٌ
مِنْ أَسامِيْنَا فَرِيْدا!
وأنا أَرْسُمُ حَتْفِيْ
في يَدِيْ فَجْرًا وصِيْدا
* * *
كُنْتُ أُمْلِيْهِ بِعَيْنِيْ
عَيْنَ يَعْقُوْبٍ كَمِيْدا
وأَرَى يُوْسُفَ بَيْنِيْ
والعَمَى عِطْرًا شَرِيْدا
فإِذا الآفَاقُ جَفْنٌ
خاطَ بالدَّمْعِ الخُلُوْدا!
* * *
مِنْ أَساطِيْرِ الصَّحَارَى
شُرْفَتِيْ سَالَتْ نَشِيْدا
شَهْدُهُ مِسْكٌ. شِفَاهِيْ
تَتَهَجَّاهُ بَرُوْدا
يَسْأَلُ الثَّوْرَةَ، بَدْءًا:
فِيْمَ أَهْرَقْتِ الحُدُوْدا؟!
تَهْطِلُ الثَّوْرَةُ، خَتْمًا:
فِيْكَ أَغْرَقْتُ الوُجُوْدا؟!
* * *
وتَجَلَّتْ في سَمَاها،
شُعْلَةً تَجْلُوْ النُّجُوْدا
بَغْتَةً.. ماذا؟ لماذا؟
ما الذي صَبَّ الصُّعُوْدا؟
وإذا صَوْتٌ رَمَانِيْ
عَنْ لَمَى قَوْسٍ بَرِيْدا:
يا فَتَى الأَوْفَى، سَلامًا!
دارَ كَأْسَاها جُحُوْدا!
* * *
بِكَ أُنْثَى صُقِلَتْ
نَارًا، وِهادًا ونُجُوْدا
أيُّ سِحْرٍ لَفَّ غُصْنًا
يَنْهَبُ الغَاوِيْ الرَّشِيْدا؟!
خَصْرُها رَمْلُ (وَبَارٍ)
حَفَّهُ الجِنُّ جُنُوْدا!
ناهِداها غَيْمَتَانِ
تَستَهِلَّان الرُّعُودا
وعلى الثَّغْرِ نَهَارٌ
يَكْتُبُ الشِّعْرَ الجَدِيْدا!
* * *
قُلْتُ: وا وَيْلاهُ مِمَّنْ
تَسْكُبُ النَّخْلَ قُدُوْدا!
فِيَّ مِنْ مَحْلِ هِلالٍ
تَرْتُقُ الضَّوْءَ البَدِيْدا
أَشْتَهِيْ مِيْقَاتَ وَصْلٍ
باسِطًا كَفًّا وَصِيْدا
إِذْ تَصُبُّ الشَّمْسَ كَأْسًا
صِحْتُ: «كَأْسِيْ، لَنْ تَبِيْدا!»
فانْثَنَتْ مِنْ مَشْرِقَيْها
لَمْ أذُقْ راحًا رَغِيْدا
واستَظَلَّتْ في الحَنَايا
شَمْسُها حُبًّا حَصِيْدا!
* * *
في أَسَاطِيْرِ الصَّحَارَى
زَعَمُوا الشَّمْسَ وَلُوْدا
بِنْتُها (الزُّهْرَةُ)، نَهْرٌ
دارَ بالشَّمْسِ زَرُوْدا
تَشْرَبُ النَّارَ جَنِيْنًا
كَيْ تُضِيْءَ النَّايَ رُوْدا
ثُمَّ قالُوا: إِنَّها خَا
نَتْ، فَهَانَتْ... لا مَزِيْدا
عاقِرًا واسْتَنْسَخُوْها
تَبْذُرُ العُقْمَ العَتِيْدا!
* * *
أَقْسَمَتْ في ذاتِ نَجْوَى:
«لَسْتُ مَنْ تَنْضُو الجُلُوْدا!»
إِيْهِ، حِرْبَاءَ المَرايَا:
مَنْ جَنَى «النِّقْمَ»(*) الوُرُوْدا؟!
كَمْ صَلَبْتِ مِنْ يَسُوْعٍ!
ولَكَمْ صُنْتِ: اليَهُوْدا!
لَسْتُ مَنْ يُلْدَغُ شِعرًا
فالْدَغِيْ غَيْرِيْ بَعِيْدا!
* * *
شَمْسُ آماسِكِ ماتَتْ
فلْأَعِشْ مَوْتًا مَدِيْدا!
قُلْ: متَى القَلْبُ يُغَنِّي،
وَه ْوَ يَأْتَلُّ حَدِيْدا؟!
وإِلَامَ العَيْنُ تَبْكِيْ
جَذْوَةً تَصْلَى جَلِيْدا؟!
وفَظِيْعٌ عِشْقُ نَجْمٍ
غَيْمَةً تَنْدَاحُ دُوْدا
جِيْدُها النَّارِيُّ يَهْمِيْ
لَعْنَةَ الجَمْرِ عُقُوْدا!
* * *
يا (سَمِيْرَ امِيْسَ) أَمْسِيْ
لا سَقَى اللهُ العُهُوْدا!
جِئْتِ حُوْرِيَّةَ وَقْتٍ
تَكْتَسِيْ الطَّلْعَ النَّضِيْدا
زَلْزَلَتْنِيْ فِيْكِ أُنْثَى
ذِئْبَةَ النَّايِ صَيُوْدا
لَوْ يَرِفُّ المَاءُ سهَوًا
مِنْ ثَنَاياها زَهِيْدا
رَفْرَفَتْ مِنِّي الحَنَايا
بالطَّوَايَا مُسْتَعِيْدا!
* * *
عَلَّمَتْنِيْ أَنْ أَرَى الأَلْ
وَانَ في الأَزْهَارِ سُوْدا
عَلَّمَتْنِيْ أَنْ أَرَى الصَّا
دِقَ خَتَّالًا كَنُوْدا
أَنَّ مِلْءَ الحَرْفِ غابًا
وظِبَاءً وأُسُوْدا
«صَيْدَةً» صَادَتْ وصَيَّا
دًا بِعَيْنَيْها مَصِيْدا
وقَتِيْلًا شَاكِيَ السَّيْفِ
وقَتَّالًا شَهِيْدا!
* * *
وطَواها بِيْ سِجِلٌّ
مِنْ شُمُوْسٍ لَنْ تَعُوْدا
وَجْهُها الدُّنْيا وقد صَالَتْ
نِصَالًا وزُنُوْدا
ناهِداها ثَغْرُ طِفْلٍ
يَنْهَبُ الثَّغْرَ الوَلِيْدا
دَمْعُ عَيْنَيْها رَصَاصٌ
تَذْرِفُ الوَرْدَ الحَقُوْدا!
* * *
شَاخَ بِيْ طِفْلُ أَغَانٍ
يَلْثَغُ الحُبَّ الفَقِيْدا
ظَنَّ هَمْسَ الحِضْنِ وَعْدًا
فاحْتَسَى الوَعْدَ الوَعِيْدا
شَامَ نَوْضَ الآلِ بَرْقًا
وارْتِفَافَ الشَّالِ عِيْدا
بِئْسَ ما يَرْجُوْهُ في الدُّنْ
يَا شَرِيْفٌ أَنْ يَسُوْدا
إِنَّما الدُّنْيَا أَفَاعٍ
قُلِّدَتْ وَجْهًا وَدُوْدا
وإذا الخِلُّ تَخَلَّى ،
فَالْعَنِ الوَقْتَ الثَّمُوْدا!
* * *
لم تَعُدْ في الشَّمْسِ شَمْسٌ
فابْتَكِرْ شَمْسًا قَصِيْدا!
مِنْ زَنَازِيْنِ القَوَافِيْ
يُوْلَدُ الشِّعْرُ مَرِيْدا
مِنْ جَلِيْدِ النَّارِ في جَفْ
نَيْهِ تَجْتَازُ الحُدُوْدا
وعلى هُدْبِ العَشَايَا
تَنْقُشُ الفَجْرَ المَجِيْدا!
(*) النِّقْم: جمع نِقْمِيَة. شُجيرة شوكيّة، تُثمر حبّات صغيرة صُفْرًا، بالغة المرارة، تُضرب مثلًا في المرارة. وهي نبتة مؤذية كريهة لدى المزارعين، لا يستفيد منها الإنسان، ولا يأكلها الحيوان، غالبًا. لم أجد لها ذِكرًا في المعجمات اللغويّة. غير أنها تُسمّى بهذا الاسم في جبال فَيْفاء، وبالاسم نفسه في اليَمَن.