بـ اتجاه الجنوب! ">
“مَن لا يَعرِفُ نسَبهُ لا يرفعُ صوته”.
هكذا علّمتني القرية قبل كل شيء..
“حفظت نسبي استعداداً ليوم الختان الذي نتهيّأ له منذ لحظة الولادة كما لو أنه اليوم الوحيد الذي يستحق الحياة”
“وكعادتها، احتفظت المناطق النائية بهذه التقاليد، حيث تم ختاننا على الطريقة التي كانت تُمارَس منذ ألفين وخمسمائة عام مما يعني أن جزءاً من طفولتنا وشبابنا ينتمي إلى ما قبل التاريخ”.
“في باريس احتمَيتُ بقريتي، أُلقي السلام بصوتٍ مرتفع وعندما اكتشفتُ أنهم لا يسمعون ألقيتُ السلامَ على السلامِ بصوتٍ خفيض” “الشعوب القارئة لا تسمع إلا الصوت المكتوب”!
بهذا المُفتَتَح كانَ (الحِزَامُ) ينبِضُ جمالاً من أقصى القريةِ إلى الدروب التي جَغْرَفَها الروائي الشاعر أحمد أبو دهمان في رائِعتهِ الموسومة بِـ(الحزام) كإحدى تجلّياتهِ الإبداعية الخالدة..
الحزام كان بوابة العبور الأولى إلى النّصّ، إلى الحياة، إلى الشعر، والتاريخ والذاكرة الجنوبية ..ذاكرة الاحتفاظ بالأصالة وبكل مفاتيح الماضي..
تطوي الرواية عُمرَ أجيالٍ سابقة وأخرى لاحقة بدهشة الكون والحياة المخزونة في وعي الذات والوجدان والحنين والتذكَر والتذكير لأحداث وتقاليد وأعراف وقِيم قبل أن تضمحلّ أو تُمحى من الذاكرة، لدرجة تجعل القارئ يسأل هل عشتُ القريةَ أم عاشَتنِي؟!
عناصر الرواية الجمالية والفنية المختلفة المكنوزة في اللغة والعرض والشخصيات والحدّث والزمكان والحبكة والرؤى والومضات والمتن الحكائي ليست إلا صدى لروح مبدعها..
جُرأة الكاتب في اقتحام بعض المحظور يجسّد واقعية حقيقية ورمزيات خاصة مرجعها الأرض والوطن والقبيلة!
هذه الرواية أغانٍ شعبية, وأمثال، وحُلُم، وذاكرة وعزف ونزف، ومطر وجبال وربابة، وأقداحِ سمن، وأقدام حافية، وريحَان، وشَرَف، وَ دَم، وذاكرة، إرثها: تاريخ!
نقلَتْ لنا القرية البسيطة بأفراحها وأتراحها بدلالات متسعة تحتاج من القارئ كثرة المعاودة فلا يمكن فضّ مغاليقها دفعةً واحدة، فضلاً عن اللغة السيميائية الإشارية التي شكّلَتْ العمل بإيقاع لغوي جعل من الرواية صورة بانورامية تتحدث بضمير المتكلم وكأنها تُسرَد الآن ما يزيد تعلّق القارئ بالـ(حزام) وكأنه حاضرٌ بيننا حضور لحظة القراءة وما بعدها!
رسمَ المرأة بامتياز وصولاً للمثير والمدهش والدور الذي لا يقل عن دور الرجل حتى كانت هي الأرضُ والماءُ والوطن!
(وحدهنّ الأمهات يفتحن الأبواب) (الرجال الكبار لا يموتون أبدأ).
(لكي تعرف امرأة عليك أن تراها بدلاً من تنظر إليها).
(القرية تستيقظ بمجملها قبل شروق الشمس، بل كنا في الحقيقة نحن الذين نوقظها).
(كنا نغنّي لكل شيء، كما لو أنه لا يمكن أن ينمو شيء بدون غناء، كنا نغني لترقص الحياة).
(حمل إخوة “العاصمة” كثيراً من الحقائب كانت معبأة بالملابس هدايا لكل فرد في القرية، ارتديناها مباشرة فوق ملابسنا القديمة كما لو أننا نضع العاصمة فوق القرية) ......... يالله
(ولي ثمانية أسمياء مفردها “ سمي” وهم الصبية الذين سماهم أهلهم باسمي، ومن تقاليد القرية أن السّميّ مسؤول عن سميّه مدى الحياة).
هذا ما أكَّدَ لي أن الجنوبِيّ يثمّن الاسم والمسمى ولو عن الجد - العشرو- مائة في الحقيقة ما أتى هذا التنصيص إلا ليقول : لا تنسَ الأصل وإن كان من الماضي.
وأخيراً تأكّدتُ أنَّ:
الحزام وَ أبو دهمان لا يُرَيَانِ إلا معاً!
ثم الحمد لله أنْ طوَّقَنِي حزاماَ يُدعى” محمد الشهري” فكانَ هو الجنوب والقرية والساحل والرواية كلها.
- إيمان الأمير