سعود البديري ">
بعد أيام قليلة جدًا تنطلق المرحلة الأولى «للحملات الانتخابيّة للمجالس البلديّة» في دورتها الثالثة بعد أن مررنا بتجربتين في الأعوام الماضية اتسمت بالهدوء، والضبابيّـة، وتفاقمت ببعض تلك المجالس «هوّة كبرى» بين الناخب وعضو المجلس، وأصبح آخر عهد بذلك المواطن «الناخب» ذلك اليوم التاريخي الجميل الذي كان «مساؤه آنذاك دسمًا ومتخمًا بالكولسترول» ذلك اليوم الذي منحوا فيه «الناخبين» أصواتهم لمرشحيهم بصناديق الاقتراع، ومن بعدها «انتهت العلاقـة»!
وتلك المشكلة لا يقع عبئها الثقيل على «المرّشح» فقط الذي فاز بالعضوية. فهو لم يدخل غمار المنافسه إلا وهو متسلّح بالثقافة الانتخابيّة، وما له وما عليه من واجبات وأعمال ضمن مواد اللائحة التنفيذية لعمل المجلس التي أصدرتها اللجنة العامة للانتخابات البلديّة عام 1426 هـ وأيضًا لا تتحمّل الجهّة الإدارية المشرّعة وهي (اللجنة العامة للانتخابات) التابعة لوكالة وزارة الشؤون البلديّة والقرويّة مسؤولية ذلك طالما أنّها وضعت النظم والتدابير والقوانين التي تكفل لكل مشارك بالعملية الانتخابيّة من تأدية دوره المناط به على أكمل وجه.
بل العبء الثقيل والمشكلة الحقيقية بـ «الناخب» فهو الحلقة الأضعف والأقل تأثيرًا وتفاعلاً، فهو يتحمّل بشكل مباشر وجود هذه «الهوّه» وهذه «الفجوة» وذلك عندما اكتفي «بالإدلاء بصوته بالصندوق» وانقطع عن المشاركة بالنتائج ومتابعة الأداء البلدي لمرّشحـه الذي منحه صوته.
فالنظام قد أتاح له حمل مطالبه وتقديمها للعضو البلدي بكل شفافيّة ومعرفة مواعيد جلساته مع زملائه الأعضاء، ليتسنّى له من خلال ذلك تقييم « حسّـه الانتخابي الذي تمثّل باختيار مرّشحه البلدي».
وهل هذا الاختيار كان صحيحًا، وفي موقعه الحقيقي، أم أنه قد منح صوته «لفزعة قبليّـة» أو «عائليّة» دون مراعاة للنتائج المستقبليّة المتوّقعة.
الجميع يدرك جيدًا أن هؤلاء الأعضاء لا يملكون «عصا موسى» ولديهم صلاحيات محددّة يتحركون من خلالها، ولو أننّا نأمل بالمستقبل تعديل اللوائح التنفيذية لأعمالهم، وإعطائهم مزيدًا من الصلاحيات.
ولكننّا.. بنفس الوقت لا يمكن أن نطالب بذلك دون أن نسهم جميعًا برفع معدلات الوعي الانتخابي، وأنّ ذلك السلوك الانتخابي سيكون معبرًا بوضوح عن»تجربة ديمقراطيّة وتاريخية لنا» لو أحسنا التعاطي معها بشكلها المرسوم والمحددّ.
حدّثني أحد أعضاء هذه المجالس مبديًا تذمّره من بعض المطالب التي توّجه إليهم من قبل بعض الناخبين القريبين الذين نلتقي بهم أحيانًا بالمجالس والمناسبات الخاصة، واصفًا تلك المطالب بالغير «واقعيّة» التي تتجاوز حدود صلاحياتهم، ومن ثمّ توّلد لدى بعضهم شعور بعدم الرضا على أدائهم، جاهلين حدود وصلاحيات مرشحيهم، ذاكرًا أنه ممتنّ لثقتهم ولكن.. لا علاقة لنا ببعض المطالب.. أو أنّها تعنينا ولا نملك قرار «حسمها» بشكل مباشر وجذري.
وفي الحقيقة مما يثلج الصدر، ولا يتوقعه البعض من الناقمين والمتذمرين من تجربة المجالس البلديّة بوطننا الغالي، أن هناك بالفعل «إنجازات مشهودة وموّثقة» لهذه المجالس، وقد وجدتها بالفعل بالموقع الإلكتروني الرسمي المختصّ بها، وجدت إنجازات ومشروعات قد تمّت على أرض الواقع، ووجدت بالموقع «محاضر الاجتماعات» التي سبقت مدّة تنفيذها، مما يؤكد أن هناك «عملاً وإنجازًا»، بل وأعمال بلديّـة لا يستهان بها ومشروعات قد قامت وتحققّت أهدافها لخدمة الوطن والمواطن، لكنّها «جهود» تمّت دون أن يشعر بها المواطن «الناخب» وقد تفاجأت وسعدت بالحقيقة بحجم تلك الجهود والإنجازات، وتملكني شعور بالحيرة والذهول «كيف تمّ ذلك دون أن يعلم الكثير من الناخبين» الذين عزلوا أنفسهم في متابعة الأداء البلدي لمرشحيهم، وهناك بالمقابل استمرار لبعض المشروعات المهدرة والمتعثرة، لكنّها مقارنة بالإنجازات «لا تعتبر شيئًا يذكر»!
وهنا تبادر لذهني «حجم التقصير الإعلامي الرسمي» في تصوير وبثّ بعض من اجتماعات هذه المجالس، لو بشكل مقتضب وقصير جدًا لإنّ فيه ربطًا ذهنيًا للمواطن بهذا المجـال، ودليل حرص جديّـة.
ولذلك فإنّي أهيب بكل «ناخب» أن يجيد ويحسن اختيار «مرشحيه» وباستطاعته أن يراعي «المجتمع والقبيلة والعائلة» باستطاعته أن يجمع بين الاثنين بذلك الاختيار، فالخيار الاجتماعي شرٌّ لا بد منه لكنّ المهم أن نضعه بموضعه الصحيح والمستحق دون أن نسقط المعايير الأساسية والصحيحة التي يتم على ضوئها «اختيار المرّشح».
وباستطاعتي أن أتحدث «بمثالية» وأقول: كلا..!
يجب اختيار الأكفأ فقط..!
هذا يقوله من لا يعي «تفاصيل تركيبتنا الاجتماعية» كـ»مجتمع متداخل مع بعضه» ويربطه «تكافل اجتماعي كبير» وعرى وثيقة لايمكن أن تبعدنا «المثالية» عن أجوائها، التي لا ندّعي «صحتها» لكننا بالمقابل لا ننكر وجودها، ومدى تأثيرها، والذكي من يحسن استغلالها بما يعود بالفائدة والنفع على الوطن والمواطن.
يجب على «المرشّح» أن يدرك حجم تطلعات وآمال «ناخبيه» والحرص على إيصالها، وبحث المعاضل البلديّة التي تواجهها المحافظه أو المركز.
وأن يبتعد عن «الوعود الانتخابيّة المضحكة» والشعارات الزائفه التي لا طائل منها، ودغدغة أحلام وعواطف أبناء منطقته بوعود قد تسيء له وللمجلس الذي ينتمي له واعضائه، وأن يكون قريبًا من الواقع ومدركًا للأولويات التي تحول دونه ودون تلك الوعود..!
المجالس البلديّة.. حراك وطني جميل جدًا.. لا بد أن نعيره اهتمامنا وأن نتعامل معه بكل جديّة، وبشعور وطني رائع، لنكن قادرين على المساهمة الجديّة والفعّالة مع صاحب القرار.
تمنياتي بالتوفيق لكافة المرشحين.