إن المجتمعات المسلمة تعتمد على الفتوى في أمور دينها ودنياها وتؤمن بأن الله أمرها بأن يسألوا أهل الذكر إن كانوا لا يعلمون. لكن الفتوى في أمر الدين والدنيا أصبحت من المسائل الخاضعة للرغبات والأهواء وليس للكتاب والسنة. وإن التخلص من المؤثرات الجانبية على المفتين هي من الأمور المهمة التي يجب على المفتين أن ينتبهوا لها.
والله سبحانه وتعالى بيّن أن أخطر ما يواجه الأمم هم العلماء الذين لا يأتمرون بأمر الله وهدي أنبيائه، أي: لا يقومون بحقوق وظائفهم التي أوكلها الله لهم وشرفهم بها في بيان التشريع بإخلاص وصدق فقال - جلّ جلاله - في حقهم: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} فالآية تبيّن أن المجتمع الذي فيه ربّانيّون وأحبار يفترض ألا ينتشر فيه ما يغضب الله ويخالف نهجه.
لكن السر يكمن في ختام الآية حين قال: (يَصْنَعُونَ) وهنا وقفة مع هذه الكلمة. حيث إن بعض الفتاوى تفصل لتكون مناسبة لغرض بعينه. وترى بعض المفتين يلهث خلف الأقوال في المذاهب المختلفة بل حتّى الشاذ منها من أجل فتوى يريدها رئيسه وهذه الفتاوى جعلت المفتين وكأنهم في مصنع يفصل الإباحة والحظر على حسب الرغبات والمصالح.
فالخلل في المجتمع ليس في عدم وجود العلماء، ولكن جاء الخلل حينما أصبح العلماء يصنعون الفتوى للناس كلٌ حسب رغبته وشهوته كما يفعله أصحاب المهن اليدوية والصناعية. والمتابع للإعلام في وقتنا الحاضر يرى أن الفتوى أصبحت تباع في بعض الأحيان وتهدى في أحيان أخرى.
فالمسؤولية على عاتق العلماء الربانيين تعظم وتكبر في إيضاح الطريق الحق وإيصال الناس إلى بر الأمان وذلك بدعوة الناس إلى الحق وأطرهم عليه. ويجب على العلماء حماية المجتمع من الوقوع في الزلل فإن المرء إذا رأى حريقا في مكان ما تساءل أين رجال الإطفاء؟ وإذا رأى رجلاً يسير في الطريق والمطر ينزل عليه وقد ابتلت ثيابه تساءل أين مظلته؟ وكذا إذا رأى من يريد أن يطبخ طعاما تساءل أين القدر؟
وبمجرد وجود الخطأ في المجتمع تتساءل أين نهي العلماء وتوجيههم؟ وجملة {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} دلّت على وجود شيء ينهى عنه، والربانيون والأحبار مكلفون بهذا، فإذا قيل لك إنهم موجودون ورأيت بعينيك ما ينهى عنه علمت أنهم قد أباحوه للفاعل وزينوه للطالب، ورضوا به مجاراة للمجتمع. فيبدوا لك أن هؤلاء يصنعون حسب الطلب ما يريده المانح وصاحب النفوذ، ولم يعد لهم اختيارات دينية مجردة.
الشيخ إبراهيم الأخضر بن علي القيم - شيخ القراء بالمسجد النبوي