الظلم أبشع جريمة عرفتها البشريّة وصاحبه يتسلّط بقسوة قلبه على حقوق وأجساد المستضعفين ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حذر أكاديمي متخصّص في العلوم الشرعيّة من الظلم وعواقبه الذي يعد أبشع جريمة عرفتها البشرية، وهو سبيل التهلكة، وفشو الهمجية، لأن مرتعه وخيم وعاقبته سيئة، سلبت به الخيرات، ونُزعت البركات، يحتبس به القطر من السماء، وتحل النقم العمياء، ويرفع السعر والغلاء، وتنتشر الأمراض والوباء، كما أنه مزعزع الأمن والاستقرار، وعدو الطمأنينة والازدهار، والأنفس الأبية يؤلمها الضيم ويجرحها الظلم.
وخاطب الدكتور عبدالله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء، والخبير في مجمع الفقه الإسلامي الظالمين ناصحاً فيقول: أيها الظالم لئن كانت عينك في الليل نائمة، فاعلم أن عين المظلوم ساهرة، ولئن كان عيشك في رغد وهناء، فإن عيش الظالم في نكد وبلاء، فكيف تتطاول على الظلم وتلك عاقبته وذلك مصيره؟ تذكر يوم تجد جزاءك عاجلاً وعقوبة ظلمك محضراً، فمع هدأة الليل وسكون الظلام، واغترار الظالم والناس نيام، يهرع المظلوم إلى رب الأنام، فيفشي سره، والله لا يخفى عليه شأنه وخبره، متقلباً على فراشه يئن ممن ظلمه، وهتك ستره، وعاقبه وآلمه.. قال - عليه الصلاة والسلام -: «واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».. أما المظلوم فسوف ينال حقه عاجلاً أم آجلاً.. قال - عليه الصلاة والسلام -: «لتودنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجَلْحَاء من الشاة القرناء « .
ويتساءل الدكتور السلمي: كيف لا؟ والظالم يتسلّط بقسوة قلبه على حقوق وأجساد المستضعفين، غير مكترث بآلامهم وأناتهم، ولا بصياحهم وصرخاتهم، قد نضب خلق الرحمة من قلبه، وأقفر سمت العدل من فؤاده، فانحرف عن الحق، وتجبّر على الخلق، كما أنه غرق في سبات التعالي والبطر، متحجّر العاطفة ولم يتذكر العاقبة، متبلّد الإحساس، ولا يراعي حقوق الناس، مفقود الندى، والظلم ظلمات بعضها فوق بعض، فمنها ظلمات تكاد السماوات يتفطّرن منها، وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا.. فالشرك مع الله وبالله أعظم الظلم وأبشعه، وأفظعه وأشنعه، قال لقمان الحكيم: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وبيّن الدكتور عبدالله السلمي أن الظلم أنواع كثيرة وشعب متفرّقة، فالشرك في عبادة القبور ظلم، وتحريم الحلال ظلم، وتحليل الحرام ظلم، والتحاكم إلى الدساتير والقوانين الوضعية بما فيه مخالفة لشرع الله المطهّر ظلم {مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].
ومن الظلم أيضاً: التدليس في عرض حقائق الإيمان، وتحريف شريعة الرحمن، وعدم تكفير أهل الكفر والطغيان.. كذلك من أنواع الظلم: ظلم العباد في أنفسهم، وعقولهم، وحياتهم، وأموالهم، وحياتهم، وأهليهم، وكذا ظلم الجار لجاره، يظلمه في معاشه، أو بأولاده بالضرب أو السخرية، أو بتسليط الأصوات والأغاني عليه، أو بمعاكسات أولاده لبناته، وغير ذلك مما هو جار ويجري عند بعض من لا خلاق لهم.
وأكّد د. السلمي أن عضل البنات عن الزواج ظلم، فبعض الآباء يمنع بناته من أغلى وأعز شيء وهو الحب الحلال، يمنعها من الحياة السعيدة، ويمنعها من حنان عاطفة الأمومة، همّه فقط جمع الأموال؟ والعيش في الأماني والآمال، والاستيلاء على رواتبهنّ بالقوّة والسلاسل والأغلال، مما قد يحدو بهنّ إلى فعل الحرام، ومن الظلم كذلك ما يحصل من بعض الأزواج لزوجاتهم، مشيراً إلى أن ظلم الزوجات أخذ مظاهر شتّى وصوراً متنوّعة، ومستقل ومستكثر، فمن ذلك أذيّتها وإهانتها، بل وللأسف ضربها وعقابها، وحين يرغب في مفارقتها فلا يطلق أو يسرّح بإحسان، بل يلجأ إلى تنغيص حياتها بشتى الوسائل والطرق التي تصم الآذان، لكي تفتدي نفسها وتعطيه أموالها، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19]، كما أن من المعدّدين من يميل إلى إحدى زوجتيه ويجعل العيش والحب والحنان إلى إحداهن، ويستنكف أن يعدل إلى كلتيهما.