نصوص القرآن الكريم واضحة في تحريم سفك الدماء وقتل الأبرياء ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
القرآن الكريم نظام تشريعي شامل لكل زمان ومكان في جوانب الحياة البشرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. وقد أنزله الله - عز وجل - منذ أكثر من أربعة عشر قرناً لكافة الناس لكي يطبّقوه ويلتزموا به.
ونصوص القرآن الكريم واضحة في تبيان سمو المقصد في آياته، وعلى الرغم من ذلك فهناك تأويلات خاطئة من جماعات منحرفة تكفيريّة تنتسب إلى الإسلام. استهانة بترويع الآمنين، وحرمة الدماء، وقتل الأبرياء، وتدمير الممتلكات.
«الجزيرة» التقت عددا من المتخصّصين في القرآن الكريم وعلومه ليتحدّثوا عن تبيين وتفسير القرآن الكريم للفكر الضال، ومحاربة التفجير والتكفير.
حرمة الدم المعصوم
بدأ الدكتور عبدالله بن حماد القرشي رئيس قسم القراءات بجامعة الطائف حديثه بكلمة قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - منكراً على أسامة بن زيد حينما رأى كافراً قد أوجع المسلمين قتلاً، فلما رفع أسامة عليه السيف قال ذلك المحارب: لا إله إلا الله فقتله. فانطلق البشير يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر أسامة بن زيد فقال له - صلى الله عليه وسلم - لم قتلته؟ قال يا رسول الله أوجع في المسلمين، وقتل فلاناً وفلاناً، وسمى له نفراً، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقتله؟
قال نعم. قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال يا رسول الله استغفر لي. قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟
حتى قال: أسامة بن زيد: فما زال يكرّرها حتى أني تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
وفي شأن هذه القصة أنزل الله - عز وجل - قرآناً يتلى إلى يوم القيامة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: 94).
فإذا كان هذا الإنكار الشديد من النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن قتل محارباً في أرض المعركة قد أظهر شهادة التوحيد، وفي رواية أظهر تحية الإسلام، فكيف بقتل المؤمنين حال صلاتهم في بيت من بيوت الله - عز وجل -؟
لقد انتهك هؤلاء بتلك الفعلة الشنعاء حرمات كثيرة: حرمة الخروج على ولاة الأمر، وتكفير المسلمين رجال الأمن، وحرمة الدم المعصوم، وحرمة إزهاق النفس بالانتحار، وحرمة بيوت الله، وحرمة الصلاة.
لقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن قطع صلاة المصلي، وأخبر أن القاطع لأن يقف أربعين خير له من قطع الصلاة فكيف بقتل المصلين، وهم في صلاتهم خاشعون؟
لقد صدق الله القائل: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} (سورة النمل: 24)
وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} (سورة محمد: 14)
وصدق الله القائل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12)} سورة البقرة الآية (11-12).
حمى الله بلادنا من كل مكروه، ورد الله كيد الكائدين في نحورهم.
الانحراف عن المنهج
وقدّم الدكتور محمد بن عبدالله الربيعة الأستاذ المشارك في قسم القرآن وعلومه بكلية الشريعة بجامعة القصيم رسائل لكل محب لكتاب الله مريد لسلامة فكره ومنهجه معتصم بكتاب ربه ومنهاجه القويم:
- سمى الله القرآن صراطاً مستقيماً وهذا يعني أنه يسلك بالإنسان مسلكاً صحيحاً بلا إفراطٍ ولا تفريط {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}.
- جعل الله القرآن هدايةً وبصيرة لمن اتّبع رضوانه، ولن تجد أحداً اتبع القرآن حقاً، فضل عن رضوان الله {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ}.
- القرآن يهدي إلى الرشد وهو كمال العقل والطرق النافعة {قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}.
- القرآن يهدي إلى كل أمر يزين وينهى عن كل أمر يشين {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}.
- القرآن يهدي إلى الاجتماع وينبذ التفرق {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.
ولذلك فإن ربط شباب الأمة بالقرآن خير سبيل لاستقامتهم على النهج القويم، وسلامتهم من كل منهج سقيم، ومن هذا المنبر أوصي أبناءنا وشبابنا بأن يتلقّوا منهجهم من كتاب الله تعالى بهدي السلف الصالح، وأن ينأوا بأنفسهم عن الوقوع فيما حرّم الله ورسوله من الغلو، والتكفير، والتفجير، فينحرفوا عن منهج كتاب ربهم وهم لا يشعرون.
جعلنا الله من أهل القرآن علماً وعملاً.
عصر الفتن
وتؤكّد الأستاذة بدرية بنت منير العتيبي المحاضرة بقسم القرآن وعلومه بجامعة المجمعة أننا في عصر كثرت فيه الفتن، واحتدم فيه الصراع بين الحق والباطل، وتشربت القلوب بالفتن، لضعف الدين، والجهل به، والبعد عن هدي القرآن وتعاليمه، والمتأمل في كتاب الله - عز وجل - يظهر له أن القرآن تشريع سماوي كامل، جاء ليقيم الحياة الإنسانية، ويجتث الأفكار الهدامة، والعقائد المنحرفة، والقضاء على الانحراف العقائدي، والفكري، والاخلاقي، ولذلك أول ما نزل من القرآن آية: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.
لأن الجهل يطمس نور البصيرة، ويجعل المرء أكثر عرضة للشبهات والشهوات، ولا علاج ولا وقاية من هذا الداء العضال، إلا بالعلم ولاسيَّما العلم الشرعي، المستمد من الكتاب والسنة، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «وإنما يعبد الله، ويؤدى حقه وينشر دينه، وتحارب الأفكار الهدامة، والدعوات المضللة، والأنشطة المنحرفة - بالعلم النافع، المتلقى عن كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا إنما تؤدى الفرائض بالعلم، ويتقى الله بالعلم، وبه تكشف الحقائق الموجودة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام».
وأفضل العلوم وأشرفها العلم بكتاب الله عز وجل، لأن شرف العلم من شرف المعلوم، قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ(15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)}
وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
قال الشنقيطي: «وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة».
أما بالنسبة لموقف الدين الإسلامي من العنف والتطرف فهو يرفض ذلك جملةً وتفصيلاً، ويدعو إلى الوسطية والاعتدال قال الله - عز وجل -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
ويحارب العنف والتطرف بكافة صوره وأشكاله، ولذلك شرع الله الحدود والقصاص لحماية المجتمع الإسلامي من الجريمة وردع كل من تسول له نفسه بزعزعة أمن واستقرار المجتمع المسلم، ولذلك كانت وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ».
اضطراب نفسي
وتضيف بدرية العتيبي القول: أما من يتسمى باسم الإسلام ويقتل ويروع الآمنين ويجعل التدين مظلة لتحقيق مآربه وأهدافه، سواء كانت شخصية، أم سياسة، أوقد يكون شخصا يعاني من اضطراب نفسي، أو ضالا جاهلا استغلته الجماعات المتطرفة لتجنيده في صفوفها، فالدين الإسلامي بريء من هؤلاء المنحرفين، لأنهم اتبعوا طرق الضلال والباطل المتشعبة، والله سبحانه يدعو إلى اتباع الحق قال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
ولذلك أحب أن اشير إلى أمر في غاية الأهمية وهو كيف نحارب هذه الأفكار الضالة؟ وكيف نحد من انتشارها في مجتمعنا المسلم على وجه الخصوص وفي العالم أجمع؟
وعلاج هذه الظاهرة الهدامة لابد من تكاتف الجهود على مستوى الفرد والمجتمع والمربين والاخصائيين، فالفرد يجب عليه عند تلقي العلوم الشرعية أن ينتبه لمن يلقنه هذا العلم، وما هو نوع العلم الذي تلقاه؟ وهل يتوافق مع شرع الله أم لا؟ فالعلم يؤخذ من عالم متفقه في الدين ومشهود له بالخير والصلاح وحسن السيرة، فالعالم الحق الذي يرشد لجميع أمور الدين، وكافة فروع العلم الشرعي، ولا يقتصر فقط على جانب الجهاد والتحريض على القتل، فمن يقتصر على هذا الجانب، فهو شخص ضال، منحرف يتبنى الفكر الجهادي المتطرف، ويتخذ الخطاب الشرعي ذريعة لتحقيق مطامعه الشخصية، أما المسؤولون والمربون والآباء والأمهات فيقع على عاتقهم مسؤولية التربية والتوجيه والإرشاد ونصح النشء واحتوائهم حتى لا ينجرفوا خلف المضللين ويقعوا في فخهم، أما المجتمع فلابد أن يكون هناك تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية والمدارس، والكليات، ودور التحفيظ، والأندية، والمخيمات وغيره، وتكثيف الدورات والندوات والمحاضرات التوعوية بشأن حماية الشباب من هذا الداء العضال.