خادم الحرمين يصيغ إستراتيجية جديدة للعلاقات السعودية - الأمريكية ">
واشنطن - موفد الجزيرة - سعد العجيبان:
يبدأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - اليوم الخميس زيارة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية تلبية لدعوة تلقاها - حفظه الله - من فخامة الرئيس باراك أوباما.
ويعقد خادم الحرمين اجتماعا مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض يوم الجمعة، يتناول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين في المجالات كافة، إضافة إلى بحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية، خاصة ما يتعلق بتطورات منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها الأوضاع في اليمن والأزمة السورية وما يتعلق في الشأن الإيراني سواء في ملفها النووي أو تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وإضافة إلى مناقشة جهود مكافحة الإرهاب والحرب ضد التنظيمات والجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم «داعش» الإرهابي، إضافة إلى بحث العديد من القضايا المُلحة.
وتكتسب زيارة خادم الحرمين الشريفين «الأولى منذ توليه مقاليد الحكم» أهمية بالغة، إذ تأتي في الوقت الذي يشهد فيه العالم والمنطقة أوضاعاً «مضطربة»، ابتداء بأحداث المنطقة والأوضاع «الملتهبة» في معظم دولها، وصولاً إلى التدني في أسعار النفط وانعكاساته.
وتُركز مباحثات خادم الحرمين مع الرئيس أوباما على العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين الصديقتين وتقريب الرؤى والمواقف تجاه مجمل القضايا الإقليمية والدولية، لتأتي الزيارة بمثابة صياغة جديدة للعلاقات الإستراتيجية بين الرياض وواشنطن.
إيران
سياسياً.. يحظى الشأن الإيراني بنصيب كبير من مباحثات الزعيمين، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق المبرم بين مجموعة دول «5+1» وإيران، بشأن الملف النووي لطهران.
وفي الوقت الذي تأتي فيها زيارة الملك سلمان قُبيل ما يقارب الأسبوعين من تصويت الكونجرس الأمريكي على الاتفاق، فإن واشنطن تُدرك جدية وثبات موقف الرياض منه، ولعل ما أكده خادم الحرمين لأوباما، بأن المملكة تؤيد أي اتفاق يضمن منع إيران من الحصول على السلاح النووي ويشتمل على آلية تفتيش لكافة المواقع، يحمل درجة كبيرة من «ضبط النفس» ورسالة صريحة بارتباط التأييد بضمان المنع والتطبيق الملائم، والتأكيد على أن العمل بـ»حسن النوايا» غير كاف ما لم يقترن بعمل واقعي يدعمه.
كذلك يطرح الزعيمان ضمن مباحثاتهما، سُبل إيقاف التدخلات الإيرانية «والتي بدت مؤشرات تزايدها واضحة في الآونة الأخيرة» في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ودعم طهران المتواصل للتنظيمات الإرهابية، ضمن أهدافها لزيادة نفوذها الإقليمي، إضافة إلى ضرورة التزامها باحترام حسن الجوار.
اليمن
وفي جانب آخر يفرض الملف اليمني نفسه بقوة على اللقاء المرتقب في واشنطن للملك سلمان والرئيس أوباما، وفي هذا الشأن، تكاد تكون الرؤى بين الرياض وواشنطن متطابقة.. فمنذ الساعات الأولى لبداية عملية «عاصفة الحزم» لقوات التحالف بقيادة المملكة، أعلنت واشنطن تأييدها الكامل للعملية، وعرضت تقديم دعم لوجستي واستخباراتي، وأدانت في الوقت ذاته بشدة العمليات التي تقوم بها ميليشيات الحوثيين ضد الحكومة المنتخبة اليمنية، وتسببها في إحداث الفوضى في اليمن، إضافة إلى أن الولايات المتحدة تدعم الحكومة الشرعية وتتطابق مواقفها في الأزمة مع المملكة فيما تراه من حلول تجاه الوضع اليمني.
ومن الطبيعي أن يخضع الملف اليمني لمباحثات مركزة تتضمن الجهود المبذولة لكبح جماح التدخلات الإيرانية في اليمن ووقف دعمها للميليشيات الحوثية وأتباعها من المتمردين على الحكومة الشرعية.
سوريا
وعلى الرغم من حجم الكارثة الإنسانية التي تشهدها سوريا والتي تمثل بكل المقاييس صورة لأبشع الجرائم، إلا أن الموقف الأمريكي منذ بداية المأساة بدا مُتراجعاً، ففي الوقت الذي كانت تتحدث فيه واشنطن عن ضرورة حل الأزمة، لم تأخذ أي فعل جدي لإنهائها.
ومع التحول الذي طرأ على الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية، يُنتظر إخضاع ملفها لمباحثات مكثفة بين الملك سلمان والرئيس أوباما، إذ يتضح أن مواقف الرياض وواشنطن في هذا الشأن متباينة، بيد أن الموقف السعودي ثابت ومتمسك برحيل الأسد عسكريا أو سياسيا.
العراق
وفي الشأن العراقي تسود وجهات نظر الرياض وواشنطن شيئاً من التطابق في وجهات النظر، إذ يؤكد الجانبان على دعم الحكومة العراقية في تصديها للتنظيمات والجماعات الإرهابية، واحترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وتأييد عقد مصالحة وطنية حقيقية.
كذلك يستعرض الزعيمان عددا من الملفات الهامة كالقضية الفلسطينية والوضع في ليبيا ولبنان ومختلف تطورات المنطقة.
مكافحة الإرهاب
ومن المقرر أن يستعرض خادم الحرمين والرئيس الأمريكي جهود البلدين في الحرب ضد التنظيمات والجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم «داعش» الإرهابي، وإجمالا مكافحة الإرهاب.
وتُدرك الولايات المتحدة الدور الهام للمملكة في الحفاظ على السلام والأمن الإقليمي ومساندتها الإنسانية للمشردين من النزاعات في عدد من دول المنطقة، ومساهمتها في التحالف الدولي للتصدي لتنظيم (داعش) الإرهابي، والجماعات الإرهابية الأخرى.
مناخ طبيعي
ثمة العديد من الملفات والقضايا تلقي بظلالها على الزيارة، إضافة إلى مناقشة سبل تعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.. وغيرها الكثير.. ومن المؤكد أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (الهامة) للولايات المتحدة، ستضفي مناخاً طبيعياً ينطوي على العلاقات السعودية - الأمريكية في مختلف المجالات الهامة لما فيه مصالح البلدين الصديقين.
زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - للولايات المتحدة الأمريكية المرتقبة، ليست الزيارة الرسمية الأولى له، فقد قام - حفظه الله - بزيارة رسمية في (أبريل 2012 م ) بدعوة من معالي وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، التقى خلالها فخامة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبحث تعزيز العلاقات بين البلدين خاصة في المجال العسكري والاستراتيجي المشترك.
وتأتي زيارة الملك سلمان لتفتح آفاقا واسعة في علاقات البلدين، والعمل على تنسيق المواقف حول القضايا الاستراتيجية والسياسية التي تهم البلدين الصديقين، إضافة إلى أنها مكملة لما عززه الملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه - للتحالف الاستراتيجي بين الدولتين الصديقتين خلال لقائه بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في عام 1945م، في أعقاب بداية العلاقات السعودية - الأمريكية التي تعود إلى عام 1931م، حينما منح الملك عبد العزيز حق التنقيب عن النفط في المملكة لشركة أمريكية، تبعها توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1933م، لتتطور عبر السنين لتحالف استراتيجي دعم متانة العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، لتأتي زيارة الملك سلمان ضمن إطار تعزيز هذه العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين التي امتدت على مدى 84 عاماً، شهدت خلالها تطابق الرؤى حول العديد من القضايا التي تخدم مصالح البلدين.
الزيارة الأولى
كانت أول زيارة قام بها وفد سعودي رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة عام 1943م، عندما أرسل الملك عبد العزيز، نجليه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز وزير الخارجية، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبد العزيز - رحمهم الله - لبحث مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي شهر يونيو من عام 1945م زار الأمير فيصل بن عبد العزيز الولايات المتحدة الأمريكية ممثلاً للملك عبد العزيز - تغمدهما الله بواسع رحمته - لحضور تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرنسيسكو.
أما في عام 1951م فتم تحويل اسم الشركة الأمريكية المنقبة عن النفط في المملكة من (شركة كاليفورنيا أربيان ستاندرد أويل) إلى (الشركة العربية الأمريكية للنفط) التي عرفت فيما يبعد بشركة (أرامكو السعودية)، وفي عام 1951م وقعت اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين.
الملك سعود
كان الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - أول ملك سعودي يقوم بزيارة للولايات المتحدة وذلك في 12 يناير من عام 1947م اجتمع خلالها بالرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، في حين كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أول رئيس أمريكي يزور المملكة عام 1974م واجتمع مع جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - .
وخلال شهر فبراير عام 1962م، زار الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - الولايات المتحدة مرة ثانية، واجتمع مع الرئيس الأمريكي جون كيندي لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتلبية حاجة المملكة الأمنية، وفي عام 1966م التقى الملك فيصل بالرئيس الأمريكي لندون جونسون، وبحث معه تأسيس شراكة سعودية - أمريكية لعمل مشروعات التنمية في المملكة.
الملك فيصل
التقى الملك فيصل - رحمه الله - عام 1971م بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في واشنطن، وتم عام 1974م تأسيس اللجنة الاقتصادية السعودية - الأمريكية المشتركة.
الملك خالد
زار الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - أمريكا في شهر أكتوبر 1978م، وفي العام ذاته زار فخامة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الرياض، واجتمع مع الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - وبحثا إلى جانب العلاقات الثنائية، ما عرف بمشروع الرئيس كارتر لتحريك عملية السلام بين العرب وإسرائيل.
الملك فهد
شهدت الولايات المتحدة زيارات رسمية لعدد من أصحاب السمو الأمراء، منهم الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - الذي زارها عدّة مرات منها برفقة الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيما بعد) - رحمه الله - عام (1364هـ 1945م) وعام (1389هـ 1969م) حينما كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، كما زارها عام (1394هـ 1974م) وعام (1397هـ 1977م) حين كان ولياً للعهد.
وفي 1985م زار الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - الولايات المتحدة والتقى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في واشنطن، في حين زار فخامة الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) المملكة ثلاث مرات، الأولى عام 1990م، تلتها زيارة عام 1991م، ثم عام 1992م، وفي كل هذه الزيارات كان الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - على رأس مستقبليه.
وفي 1994م زار فخامة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون المملكة، والتقى الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - في قاعدة حفر الباطن، وبحثا العلاقات بين البلدين.
الملك عبد الله
قابل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - عام 1998م - حينما كان وليا للعهد - الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في زيارته لأمريكا في إطار جولة عالمية شملت سبع دول، وسبق ذلك لقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين، منها اجتماع الملك فهد بنائب الرئيس الأمريكي آل غور عندما زار المملكة، واجتماع صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - عندما كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والمفتش العام بالرئيس كلينتون في البيت الأبيض.
وزار الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - الولايات المتحدة حين كان ولياً للعهد - عدة مرات، ففي أكتوبر 1987م، قام - رحمه الله - بزيارة التقى خلالها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، وفي عام 1419هـ 1998م قام بزيارة أخرى إلى واشنطن، ثم أتبعها بزيارات عدة في أعوام 2000 - 2002 - 2005 م - 2008م.
الأمير سلطان
زار الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات من بينها في 29 - 9 - 1985م، بتكليف من الملك فهد - رحمه الله - لإلقاء كلمة المملكة في الأمم المتحدة، ثم قام بزيارة رسمية لنيويورك في الشهر نفسه وقابل الرئيس الأمريكي ريجان.
وبعد هذه الرحلة بعشر سنوات أخرى قام سموه - رحمه الله - برحلة إلى أمريكا عام 1416هـ 1985م، لحضور احتفالات الأمم المتحدة بعامها الخمسين، وفي شهر رجب من عام 1420هـ نوفمبر 1999م، زار سموه أمريكا مرة أخرى وقابل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.