د. راشد سعد الباز
تواجه الجامعات تحديات عدة ومن أبرزها نوعاً من التحديات مازال مهمّشاً، ألا وهو التحديات الاجتماعية، فالجامعات أغفلت دورها التربوي والاجتماعي المتمثل في تطويرها وصقلها للشخصية الاجتماعية للطلاب والطالبات واستجابتها للتنمية الاجتماعية.
ويتعاظم الدور الاجتماعي للجامعات إذا عرفنا أنّ الجامعات موجهة لفئة الشباب بجنسيه، وهذه الفئة لها من الصفات والخصائص ما يجعلها أصعب مرحلة يمر بها الإِنسان، مما يتطلب عناية خاصة بها. كما تُمثل فئة الشباب نسبة كبيرة في التركيبة السكانية للمجتمع السعودي حيث تصل نسبة الذين تبلغ أعمارهم بين 15 سنوات و29 سنة 32 في المئة من مجموع السكان، وهي نسبة كبيرة مقارنة بالفئات العمرية الأخرى ومقارنة بالمجتمعات الغربية.
لقد عايش المجتمع السعودي تغيرات عديدة وجديدة أثرت على مناحي الحياة المختلفة للفرد والمؤسسة والمجتمع؛ مما يتطلب من مؤسساتنا وفي مقدمتها الجامعات أن تكون أكثر فاعلية في التعامل مع هذه التغيرات، وأن تكون أكثر تفاعلاً وحراكاً مع المجتمع بما يحقق التنمية المجتمعية الشاملة ويُعزز أطر التفاعل بين الجامعات والمجتمع. فالتعليم الجامعي له دور مهم في تكوين الفرد الصالح وليس فقط الفرد المتعلم، فما فائدة المتعلم الذي يحمل أفكاراً هدامة أو خلقاً سيئاً، أو يفتقد الانتماء والولاء الوطني؟ وما فائدة المتعلم المبدع الذي يستخدم إبداعه في إلحاق الضرر بمجتمعه وبالآخرين؟
إنّ ما يواجهه الطلاب الجامعيون من تحديات ومستجدات أدّت إلى نتائج سلبية على الطلاب وعلى مجتمعهم وأثّر سلباً على الانتماء والولاء الوطني وأوجد مشكلات عديدة أصبحت تُشكل قلقاً للمجتمع وللسلطات الرسمية، لعل من أبرزها العنف والأمراض النفسية والاجتماعية والانحراف الفكري والسلوكي وهذا كله يستوجب من الجامعات تغيير في استراتيجياتها وأساليبها.
واعتقد أنّ هناك اختزالا لدور الجامعة في وقتنا الحاضر عمّا كان عنه في السابق، حيث انحصر دورها في الإعداد العلمي، على الرغم من ضعفه في السنوات الأخيرة والاهتمام بتضخيم الكم على حساب الكيف، بينما كان للجامعة في السابق دور مهم في التنشئة الاجتماعية للشباب وبناء شخصيتهم، ففي السابق كان ينظر لخريج الجامعة بأنه فرد ناضج متحمل للمسؤولية ذو شخصية اعتبارية، بل كثير من الأسر إذا كان الشاب المتقدم لخطبة ابنتهم ذا مؤهل جامعي اطمأنوا كثيرا ليس فقط لأنه سيجد وظيفة مناسبة لأن الوظائف في ذلك الوقت لا تمثل مشكلة حيث كانت هناك وفرة في الوظائف، لكن لأن خريج الجامعة يتصف بخصائص قد لا تتوافر لدى غيره من النضج والاتزان وتحمل المسؤولية واحترام الرأي مما يجعل الأسرة تطمئن على مستقبل ابنتهم. لكن في وقتنا الحاضر ومن خلال خبرة الكاتب كأستاذ جامعة لسنوات عديدة برزت مشكلات عديدة لدى كثير من الطلاب انعكست في بناء شخصيتهم وسلوكياتهم منها الافتقار إلى تحمل المسؤولية وضعف الاحترام للآخرين، وهشاشة القيم، الافتقار للجدية والمثابرة، السطحية في التفكير، واللامبالاة وضعف الانتماء للوطن.
وأمر آخر فإنَّ تزايد الجماعات الفكرية المتطرفة والجماعات الإرهابية في وقتنا الحاضر وتفننها في استخدام الأساليب التقنية ووسائل الاتصال الاجتماعي لجذب الشباب لأفكارها وتجنيدهم لخدمة أغراضها وتعاظم أثرها في نفوس الشباب يستدعي من الجامعات تبني برامج نوعية وأساليب مبتكرة لفتح قنوات التواصل مع عقول الشباب وليس فقط مع عواطفهم بأسلوب يعتمد على الإيضاح والإقناع، لتبصير الشباب وتحصينهم وبناء شخصيتهم السليمة التي تجعلهم قادرين على التفريق بين الحق والباطل وبين الأفكار الضالة والأفكار السليمة، وقادرين على تمحيص أهداف الجماعات المنحرفة والضالة وأساليبها ونبذ أفكارها ومخططاتها، وتبني برامج عملية تغرس الولاء والانتماء في نفوس الشباب لهذه البلاد المباركة. فالأساليب التقليدية في توعية الطلاب حول الأفكار المنحرفة والتطرف والإرهاب كالمحاضرات والندوات ليست كافية، بل لا بُدَّ من تبني برامج مدروسة وبمنهجية علمية تستخدم وسائل حديثة وتتخذ من الحوار والمناقشة مع الطلاب مسلكاً وتعتمد على الأسلوب التفاعلي والإقناع.
إنّ الجودة التي تبحث عنها جامعاتنا ينبغي أن تكون بمفهومها الشامل فلا تقتصر على الاهتمام بالتكوين العلمي للطالب ولكن بناء شخصية الطالب من جوانبها المختلفة، فالجامعة رسالتها ليست في التعليم الجامعي فقط ولكن في التربية الجامعية. ومن هنا فعلى الجامعات تقصي ودراسة المعوقات التي تعيقها من القيام بدورها في تنشئة الشباب وبناء شخصيتهم لمعالجتها ووضع الحلول لها.
إن الجامعات مطالبة بتضمين خدماتها وبرامجها الموجهة للطلاب والطالبات برامج اجتماعية كعنصر أساس في العملية التربوية بحيث تفي بالاحتياجات المجتمعية وتستجيب للمستجدات الاجتماعية والثقافية في مجتمعنا وتُنمي المهارات الحياتية لدى الطلاب وتُسهم في بناء شخصية الطالب وتُعينه على التكيف الفاعل مع الظروف والمستجدات، وتُعزز الولاء والانتماء الوطني حتى لا تبقى العملية التعليمية في الجامعات حبيسة أطر نظرية تحدّ من تفاعلها مع المجتمع ومستجداته والعالم وتغيراته.
وهناك ضرورة للاهتمام بمهنة الخدمة الاجتماعية في الجامعات كمهنة أثبتت جدواها في علاج مشكلات المجتمع ومن أبرزها مشكلات الشباب والطلاب، ومن أساليب تفعيل ذلك إنشاء مكاتب للخدمة الاجتماعية في كل جامعة يُسند العمل فيها إلى أخصائيين اجتماعيين مؤهلون وأخصائيات اجتماعيات مؤهلات يعتمدون على الممارسة المهنية في علاج المشكلات الاجتماعية للطلاب، ويتبنون برامج اجتماعية وتربوية تستجلي ما يدور في أذهان الطلاب من أفكار منحرفة وتوجهات ضالة تتطلب التغيير والتصحيح وتستهدف تعديل السلوك الخاطئ وتغيير الاتجاهات السلبية.
كما تعمل مكاتب الخدمة الاجتماعية على مساعدة الطلاب والطالبات على التكيف السليم مع المناخ الجامعي وترسيخ المفاهيم والقيم الاجتماعية الصحيحة لتكون الجامعة مستجيبة لاحتياجات الطالب والمجتمع ومنسجمة مع المستجدات الحياتية مما يُعزز التفاعل والتكامل بين الجامعة والمجتمع.