هل يمكن أن يستيقظ أدبي الشرقية؟ ">
لأنني لم أغادر مدينتي الدمام طوال أيام الإجازة الصيفية، كنت أتحرق شوقًا لحضور الفعاليات الثقافية المقامة بها في هذا الفصل الطويل مع عدم توفر أمكنة للارتياد محببة تذكر، غير أن أبواب المؤسسات الثقافية لمدينتي على خلاف التطلعات ظلت موصده، وفي المرات القليلة التي أشرعت أبوابها بدت مخيبة، أتذكر في ختام الامتحانات النهائية وصلني عبر “واتس آب”، دعوة من نادي أدبي الشرقية لحضور أمسية بعنوان (الخليج العربي، الواقع والتحديات)، للدكتور فهد العرابي الحارثي “رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام”، مساء الأربعاء 10 رجب في مقر غرفة الشرقية بالدمام قبل بدء العطلة الرسمية بأيام، عندها توجهت إلى هناك وكانت المفاجأة أن الأمسية خاصة بالرجال دون أن يضعوا ملاحظة في الإعلان تفيد بذلك!
وتكرر الأمر من النادي للمرة الثانية بإعلان مشابه عن إقامة ندوة رمضانية بعنوان (شرارة الطائفية) شارك فيها كل من الدكتور عبدالإله العرفج والشيخ عادل بوخمسين، في مقر جريدة اليوم بالدمام. دون افساح المجال لحضور نسائي لسبب غير معلوم أيضًا ودون الإشارة إلى ذلك في الإعلان المنشور.
أما فرع جمعية الثقافة والفنون في الدمام، فقد كانوا في أمسيتهم الرمضانية أفضل حالاً من النادي ولله الحمد في التفاتتهم إلى حق العنصر النسائي في حضور الأمسية والمشاركة فيها كذلك، غير أن الإعداد للأمسية بدا تقليديًا جدًا ودون مجهود ملحوظ وهو الأمر غير المرتقب من “بيت السرد”، الذي دشن أنشطته قبل فترة وجيزة ويفترض انفتاحه على أفكار أكثر حيوية لإعداد فعالياته كنا قد لمسناها خلال أنشطة سابقة للجمعية، فقد كانت أجواء الأمسية نمطية، رتيبة، بحضور متواضع وإن احتوت على نصوص جيدة، لكن غلب على جوها المجاملات تجاه مشاركات لا ترقى للثناء.
والسؤال الآن الذي يطرح نفسه ونحن قد ودعنا الإجازة الصيفية أو فصل “السبات الثقافي”، في مؤسساتنا الثقافية كما يجب أن يسمى، لماذا يعتقد القائمون على هذه المؤسسات بأن على الأنشطة الثقافية أن تقلص، أو تقام بشكل مرتجل، أو تتوقف في هذا الفصل، وألا أحد ينتظر هنا أو هناك ما يغني أوقاته بالثقافي والفكري والمفيد؟ في حين يجب أن تكثف البرامج والأنشطة الثقافية في هذا الموسم تحديدًا ويعد لها بشكل جيد مسبقًا دون أن يقتصر حضورها على جنس دون آخر كما فعل نادي الشرقية الأدبي! بل على العكس من المهم أن يؤخذ في الاعتبار أثناء الإعداد لها أن تكون قادرة على اجتذاب كافة أفراد الأسرة وشرائح المجتمع وليس النخب والمثقفين فقط، حتى يجد المثقف ما يشبع حاجته لمثل هذا النوع من النشاط الحياتي المهم بالنسبة إليه، ويجد البقية ما يرتادونه خلاف هدر الوقت في الأسواق والمطاعم وما يترتب عليها في نهاية العطلة من تدهور مالي وصحي يطال عدد غير قليل من المواطنين.
ففي بلد شقيق مثل الكويت مثلا ورغم أن الأشقاء الكويتيين، يعدون من أكثر وأسبق سكان دول الخليج، تمضية لشهور الصيف خارج حدود الوطن نظرًا لفسحة العيش وحرارة الصيف المرتفعة الأمر الذي يؤكده في جريدة “النهار”، الكويتية، محمد عبد الحميد مسؤول إحدى شركات السياحة بالقول إن: “المواطنين الكويتيين من بين الأفراد الأكثر سفراً في العالم، وأنه مع اقتراب موسم الصيف يخطط نحو أغلبية السكان أيًا كانت مستوياتهم للسفر الى الخارج خلال أشهر الصيف”.
رغم ذلك فالقائمون على الثقافة في الكويت لا يتذرعون بذرائع واهية ومنها سفر الأغلبية لإيقاف الأنشطة الثقافية أو الحد منها وإنما يلتفتون إلى حاجة الموجودين لمثل هذه الأنشطة بخاصة في فصل مثل هذا ويكثفونها بشكل واع عبر إقامة مهرجان ثقافي سنوي ضخم انطلق مطلع الشهر الهجري الجاري في نسخته العاشرة تحت مسمى “صيفي ثقافي”، يستمر لأكثر من أسبوعين تحت رعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهو يتضمن تشكيلة واسعة من الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة حول العديد من الموضوعات التي تكرس قيم مثل حب الوطن ومفاهيم التسامح والإيجابية والتخطيط السليم للتنمية المستدامة وأهمية العطاء والحفاظ على التراث ودور الثقافة وتقدير تضحية شهداء الوطن ، من خلال الأمسيات الشعرية، والمعارض التشكيلية، ومعارض التصوير الضوئي، وورش للكتابة والمسرح وقصص الأطفال، وندوات أدبية، ومحاضرات، ومعارض كتب، وعرض مقتنيات الشهداء، وإقامة عروض سينمائية.
ويشارك في المهرجان مثقفون من دول عدة منهم الشاعرة السعودية المبدعة الدكتورة أشجان هندي. وقد سبقه أيضا مهرجان أدبي وفني خاص بالناشئة والأطفال.
فإذا كانت أنشطة مؤسساتنا الثقافية وخاصة الأندية الأدبية تقليدية ومحدودة سائر أيام العام وشبه متوقفة في الإجازات، فأين تصرف هذه الأندية ميزانياتها المالية؟ بخاصة نادي الشرقية الأدبي الذي دخل في سبات عميق منذ سنوات، ولا نعرف للأسف متى سيستيقظ، فحتى نحن باعتبارنا أعضاء في جمعيته العمومية لا نعرف من أخباره أكثر مما يعرفه غير المنتمين له، فمنذ تشكيل جمعيته العمومية قبل نحو ثلاث سنوات ودفعنا الرسوم ذلك لم يصلنا من النادي دعوة واحدة لاجتماع أعضاء الجمعية العمومية الذين يقدر عددهم بـ “284”، ولا إصدارات جديدة كما نصت على ذلك بنود العضوية وقد توقفت مجلته الرائعة “دارين”، عن الصدور كما توقفت غالبية أنشطته وسرى في أوصاله اليباس، فهل يمكن بعد كل ذلك أن يستيقظ من جديد؟
- شمس علي