ضالتي ">
أقود سيارتي لا أعلم إلى أين أذهب.. صدري ضائق كخرم إبرة.. أحس شيئاً بحجم جبال أجا تجثم عليه.. عاجز أن أكلم أحداً.. شارد بأفكاري.. سارح بخيالي.. لا أملك قدرة على المجاملة أو المجادلة.. فلم أجد بدا من أن أخلو بنفسي.. أن أروّح عنها ولو بالتحول وإضاعة الوقت في الشوارع.
وجدت نفسي في ذلك الشارع من حيث لا أعلم.. كاد رغم اتساعه أن يغص بالسيارات والمارة.. أمم من البشر ملأته وكأنها سيل عرم.
يا ترى أين يذهب كل هؤلاء؟ الكل مسرع يكاد يخنق بعضهم بعضاً للحصول على منفذ بسيط أمام سيارة أخرى، أو ليسبق ماراً أمامه.. هل هم ذاهبون إلى عمل.. زيارة.. موعد.. أو لقاء حبيب؟
أهو حزن ينتظرهم.. أم أنهم مثلي هائمون بلا معنى.. وددت لو استوقفتهم ولو كانوا عشرات الألوف.. وأسألهم إلى أين هم ذاهبون؟
أشكال وألوان من السيارات والبشر.. أخذت أدقق في كل سيارة تجاورني أو أتجاوزها.. هذه فيها شاب وامرأة ذات حجاب تبدو السعادة عليهما.. ابتسامات متبادلة واستلطاف.. كيف أحكم عليهما بالسعادة؟ ما الذي يدريني وأنا لا أعرفهما؟
تجاوزتني سيارة (فان) أخرى يقودها سائق آسيوي وفي المقعد الخلفي امرأتان وطفلتان تلعبان.. سعادة تسود؟ هاتان الطفلتان لم تعرفا الحياة بعد ولم يأتهما همّ كهمي.. أين هم ذاهبون؟ إلى السوق؟ ما الذي يدريني وانا لا أعرفهم؟ سائق كئيب وامرأتان وطفلتان وقت العصر.. لا يوجد ما يدل أنهم ذاهبون إلى السوق.. قد يكونوا ذاهبين إلى عزاء لما لا؟؟
ها هي سيارة فيها شاب عشريني.. الشماغ على المقعد والعقال على الرأس.. يتجاوزني بسرعة عالية.. أخذني الفضول من أين وإلى أين يمضي؟ يبدو قادماً من الجامعة ذاهب للبيت.. أو قد يكون خارجاً من عمله وذاهب إلى معطم أو مستشفى.. أو.. كل شيء ممكن!!
مررت بسيارة فخمة يقودها شخص تخطى الخمسين وهو يتكلم بهاتفه الجوال.. من أين وإلى أين؟ يبدو قادماً من بيته إلى شركته أو ذاهباً إلى مشروع له.. هههه.. قد يكون مجرد عامل عند أحد الوجهاء أو الأغنياء.. وهذه السيارة لسيده!!
ذهب الوقت وأنا أفكر في كل سيارة أمر بها أو تتجاوزني أقطع الطريق ذهاباً وإياباً في نفس الشارع.
سألت نفسي.. إلى أين أنا ذاهب؟ لماذا أضيع وقتي؟ لماذا أنا هكذا؟
لم أجد إجابة سوى أني لا أجد ما أفعل.. وحتى لو وجدت لا أستطيع.. هل أحتاج إلى ما يغير روتين حياتي؟ هل أحتاج إلى أن أسافر؟ هل أحتاج إلى أصحاب جدد.. أم إلى عمل صارم لا يمنحني فرصة الفراغ؟ أعتقد أنه لو حث ذلك لن أجد ضالتي أيضاً.
فجأة إذا بصوت المؤذن يعلو ويشق عنان السماء، وكأنه يقول هذا هو ما تبحث عنه.. أنت تحتاج إلى ربك.
- د. عبد العزيز النخيلان