نوال صعفق العتيبي
في كثير من الأحيان في مجتمعنا وأثناء تجمعاتنا العائلية أو الاجتماعات سواء مع الأصدقاء والجيران أو حتى مع زملاء العمل في مجتمع رجالي أم نسائي، يشعرونك أنك تجالس الملائكة الكاتبين لأعمالك أو أنك في مجلس للإفتاء، حيث إنك مجبراً للاستماع لوابل من الفتاوى التي ستمطرك لا محالة، فإن كنتِ امرأة سوف تتلقين فتاوى وتعليقات ابتداء من شعرك وقصته مروراً بحواجبك وحجابك وأظافرك وانتهاء بلباسك،
أما أن كنت رجلاً فأنك أيضا لن تفلت من قبضة فتاويهم ونصائحهم الدينية ابتداء من طول شعرك مروراً بشاربك ولحيتك انتهاءً بطول ثوبك وحتى نغمة جوالك سينالون منها وعدد مرات رؤيتهم لك في المسجد، وتتوالى الأحكام والفتاوى التي تنصب عليك حسب دقة من يجالسونك ومتسع وقتهم الذي يجعلك تتحاشى مجالستهم مستقبلا رأفه بهم، وقد يصل بك الشعور أثناء الاستماع لهم أنك فاسق عاصي مارق عن العرف والدين بين ملائكة منزهين. وبرغم ثقافتهم الدينية الضحلة والسطحية وترديدهم ما تم تلقينهم إياه دون وعي منهم أو حتى استخدام لعقولهم التي أنعم الله بها عليهم، متناسين خلاف المذاهب وتغير الفتاوى وضعف بعض الأحاديث التي يستندون عليها بل البعض يردد ويستشهد بأقوال مأثوره باعتبارها أحاديث وهو لا يعلم ذلك!!والمضحك المبكي أن الذين يفتونك وينتقدونك ويصنفونك لأي تيار فكري وجماعة ومذهب تنتمي ويصدرون أحكامهم الدينية عليك وعلى غيرك والتي قد تصل أحيانا بخلودك في جهنم وحرمانك من الجنة وريحها. تجد من بينهم رجلا يعنف زوجته وأبنائه لفظيا أو جسديا وربما تكون لديه زوجة مازالت معلقة تنتظر منه التسريح بإحسان أو مطلقته التي تتسول منه نفقة أبنائها رغم وجوبها عليه وثرائه، وترى تعاليه على الخدم والعمال الذي ربما لم يؤتهم أجورهم بعد أو جار له لم يقم بواجب الجيرة تجاهه، وإخوة له لا يتحدث معهم منذ سنوات بسبب خلاف على أمور مادية!وإن كنتِ في مجتمع نسائي تجدِ مجالسهن تفوح منها رائحة الغيبة والنميمة والنبز واللمز والاستهزاء والخوض في أعراض الآخرين ونياتهم، وتناقل آخر أخبارهم متناسيات النهي الصريح في القرآن عن ذلك. وما إن تنتهي من فرض نصائحها الدينية ووعظها وسرد الفتاوى على رأسك إلا وهي تصرخ على خادمتها داعية عليها شاتمه لها، ولا تنسى أيضا القطيعة التي تعيشها مع قريباتها بسبب أمور تافهة لا تذكر.أي مزاجية في التدين يعيشها هؤلاء وأي مزاجيه في انتقاء الأحاديث والأحكام وسردها على غيرهم متناسين ذواتهم وزلاتهم الواضحة للعيان والتي لا خلاف فيها، أي مزاجية في تطبيق السلوكيات والأحكام الدينية حسب أهوائهم وأمزجتهم. إن ذاتك عزيزي القارئ أولى بتلك الفتاوى والعضات فانشغل بإصلاحها وترميم المتهالك منها وتطويرها. قبل الالتفات لهفوات الناس وتصيدها والذي لا يعلم نياتهم وما في قلوبهم وأعمالهم إلا خالقهم عز وجل، ودع الخلق للخالق واترك فرض توجهاتك الدينية وقناعتكعلى غيرك وانشغل بنفسك أولاً وآخراً فيومئذ لا تزر وازرة وزر أخرى، و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} (105) سورة المائدة.
- باحثة دكتوراه جامعة الملك سعود