سليمان بن عبدالله الظفيري ">
في قراءتي لأحد الكتب التاريخية تحدث الكاتب عن دولة تسمى دولة الحشاشين وتطرق إلى بعض أفكارهم وتوجهاتهم الدينية، وكيف كانت تقنع مقاتليها بالعمليات الانتحارية حيثُ إن المقاتل المنتحر همه وطموحه تحقيق ما يطلب منه ثم الموت مباشرة لنيل ما قد ناله وذاقه حينما كانت جرعة الحشيش زائدة في دمه.
وتأتي دولة الحشاشين بأنها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وبها قصور مشيدة وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، ونساء جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، فقد شُيدت وجهزت هذه الحديقة لتصبح جنة للحشاشين، فقد أوهم شيخ الجبل أتباعه من الحشاشين أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعاً على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصوراً فقط على من تقرّر أنه سينضم لجماعة الحشاشين.
فكان شيخ الجبل يأمر بإدخالهم القلعة على مجموعات، بعد أن يُشرِبهم الحشيش المخدر، ويتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في تلك الحديقة التي زُينت وجهزت لغرض إغواء الحشاشين على الانصياع له وتلبية كل أوامره، فعندما يستيقظون يجدون أنفسهم في تلك الحديقة ويعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة فلازال تأثير المخدر عليهم، فيشربون ويتمتعون بما هو متاح لهم في تلك الحديقة من النساء والأكل والشرب لأيام قليلة، ومن ثمّ يتم تخديرهم بزيادة جرعة الحشيش مرة أخرى، ويحملون خارج الحديقة ليتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتيتم ؟، فيردون: «من الجنة»، فيطلبونه العودة للجنة ظناً منهم أنها الجنة فيشترط عليهم مهمة عملٍ فإن نجحوا بها أذهبهم إلى الجنة.. وهي أن يغتالوا أشخاصا معينين يختارهم شيخ الجبل فينطلقوا وهم مجندون للانتحار رغبةً منهم للعودة لتلك الجنة التي رأوها وذاقوا حلاوتها تحت تأثير الحشيش. فقد زرع في نفوسهم أنهم حينما يُقتلون فإن الملائكة تأتي لتأخذهم إلى الجنة!
وفي هذا المقال أعيد قصة الحشاشين التي طرأت علي حينما نادى أتباع داعش أن الجنة يرونها رأي العين وأنهم يستشهدون ليذهبوا للجنة ويقولونها بكل قناعة وأن انتحارهم هو الطريق الأسرع للجنة والعياذُ بالله، فقد ذهبت عقولهم وانصاعوا لأوامر قياداتهم ونسوا أن قاتل نفسه في النار، وأنها من كبائر الذنوب، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} النساء:( 29-30).
وفي الصحيحين عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذب عليه في نار جهنم.وبعد هذه الآية والحديث من يصدق أنهم أصحابُ حق وأن دينهم هو الدين الحق.. وأن ما يقومون به هو من الدين الإسلامي الحنيف.. فهل يعقل هذا أن التفجير بالنفس وقتل المصلين في المساجد من أوامر الله عز وجل ورسوله.
كيف يرون المصلين وهم راكعون لله عز وجل يخلون ويناجون الله بدعوة وطلب مغفرة ليأتي من يهز أمن صلاتهم ودينهم وبلدهم لكونهم منطاعين لأناس ومجموعات يرتدون الدين لباسا فقط دون أفعاله.
فقد ذكر موقع ويكيديا الإلكتروني عبر صفحاته أن طائفة الحشاشين أو ما تسمى الدعوة الجديدة كما أسموا أنفسهم هي طائفة إسماعيلية نزارية انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس هجري / الحادي عشر ميلادي لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله، ومن جاء من نسله، واشتهرت ما بين القرن 5 و7 هجري الموافق 11 و13 ميلادي، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وفي الشام بعد أن هاجر إليهم بعض من إيران، وقد أسس الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة الموت في فارس مركزاً لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته.
اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام.
كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها «فدائيون» لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم.
حيث كان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد.