ذا فرعون الذي طغى وبغى، وتكبّر وتجبر، حتى قال أحمق مقالة قالها إنسان قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات:24) لما أدرك الغرقُ فرعون قال: {آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس:90).
وعندما تضل في الصحراء، ويحرق العطش جوفك، وترى الموت يأتيك من كل مكان، لا تجد ما تصنع إلا أن تنادي: يا الله، وعندما تتعاقب سنوات القحط، ويمتد انقطاع المطر، وفي غمرة المعركة العابسة التي يرقص فيها الموت، وعندما يشرف المريض، ويعجز الأطباء؛ يكون الرجوع إلى الله، هنالك ينسى الملحد إلحاده، والماديُّ ماديته، والشيوعيّ شيوعيّته، ويقول الجميع: يا الله.
لما ذهب الطبيب، واستحكم اليأس، وملأ قلوب الجميع: قلب الولد الخائف، وأخيه المستأسد المتنمّر، وأبيه وأمه، واستشعروا العجز، ولم تبق في أيديهم حيلة، وبلغوا مرتبة (المضطر)؛ مدّوا أيديهم إلى الله يطلبون منه الشفاء وحده، ويطلبونه بلا سبب يعرفونه، لأنها قد تقطعت بهم الأسباب، والله الذي يشفي بسبب الدواء والطبّ قادر على أن يشفي بلا طب ولا دواء، مدّوا أيديهم وجعلوا يقولون: يا الله، يدعون دعاء المضطر، والله يجيب دعوة المضطر ولو كان فاسقاً، ولو كان كافراً، ما دام قد التجأ إليه، واعتمد عليه، ووقف ببابه، وعلّق أمله به وحده، يُجيب دعوته إن طلب الدنيا، أما الآخرة فلا تُجاب فيها دعوته لأنه كافر لا يؤمن بالآخرة.