الجوف - محمد عبدالواحد الحموان:
من الظواهر السلبية التي يمارسها البعض خاصة الشباب، ومع ثورة التقنية وازدياد مساحات وسائل التواصل الاجتماعي، هي التصوير في الحوادث خاصة الحوادث المرورية، والمشمولين بها من مصابين ومتوفين.
وحيث إن التجمهر أمام الحوادث يعيق أعمال المختصين من رجال أمن أو دفاع مدني أو إسعاف، وربما يسبب حوادث أخرى، إلا أن ظاهرة التصوير التي ينكرها الشرع والقانون، لها سلبيات كبيرة على المجتمع خاصة ذوي المصابين في والمتوفين في الحوادث أو المصابين بأنفسهم، لما ظهروا به من مظهر سيئ لا يرغبون الظهور فيه، إلا أن المتطفلين أظهروهم رغماً عنهم، دون موافقتهم ورغبتهم في ذلك.
وحيث إن هذه الظاهرة يمارسها البعض دون دراية ومعرفة موقف مرتكبها من الشرع والقانون، وما يترتب عليها من نواحي سلبية، فقد تناولت (الجزيرة) هذه الظاهرة من كافة النواحي وأخذت جوانبها من أصحاب الاختصاص بالشرع والقانون والأنظمة المتبعة.
نظام المرور يمنع التجمهر بالحوادث
في هذا الصدد، أوضح مدير مرور منطقة الجوف العقيد محمد نايف العتيبي أن نظام المرور الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/85 وتاريخ 26/10/1428هـ يمنع التجمهر بمواقع الحوادث المرورية وذلك بنص المادة الحادية والستين فقرة (7) من النظام لما لذلك من محاذير أهمها المحافظة على معالم الحادث وتلافي وقوع حوادث أخرى وإغلاق الطرق وعرقلة السير أمام المارة وعرقلة جهود الإنقاذ، كما أن الفضوليين قد يطلعون على عورات المصابين والمتوفين بالحوادث المرورية متجاوزين المحاذير الشرعية.
وطالب العميد العتيبي بعدم التجمهر بمواقع الحوادث المرورية واحترام خصوصية المشتركين بالحادث.
التوعية ونشر العقوبات بوسائل الإعلام وتطبيقها
قائد القوة الخاصة لأمن الطرق بمنطقة الجوف العقيد بدر ساير الشمري قال إن ظاهرة التجمهر حول الحوادث المرورية لمشاهدة ما يجري بعد وقوع الحوادث المرورية وتصويرها بهواتفهم النقالة أمر يعكس عدم الوعي الكامل بخطورة هذه الممارسات الخاطئة التي غالباً ما يرتكبها أشخاص محدودي الثقافة، حيث إن هذا التجمهر يعيق عمل رجال الإنقاذ ويؤخر وصول دوريات الأمن والإسعاف والدفاع المدني، الأمر الذي يمكن أن يؤدي لتفاقم الإصابات وزيادة عدد الوفيات. موضحاً أن أغلب من يتجمهر بعد وقوع الحوادث فقط لغرض التصوير وإعادة نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يسبب ألماً نفسياً لأهل الضحايا أو المصابين أو المصابين أنفسهم مع الوقت، ويعكس مدى استهتار البعض بأرواح الآخرين.
كما أن التجمهر يمكن أن يؤدي لحوادث أخرى وتصادمات جديدة بين السيارات التي تقف للمشاهدة.
وطالب العقيد الشمري بضرورة توعية تشمل الجميع في المدارس والنوادي الرياضية والمراكز التجارية، علاوة على الاهتمام بالطلاب في المدارس حتى نضمن الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من السائقين أو السائقين المحتملين في المستقبل، كما أن الإعلانات في وسائل الإعلام مهمة جداً.
وقال إنه يجب التعامل مع هذه الحالات غير القانونية بحزم وتطبيق القانون وتوقيع الغرامات على هؤلاء السائقين الذين يقفون للمشاهدة والتصوير فقط ونشر العقوبات بوسائل الإعلام ومن ثم تفعيلها بشكل حازم من قبل رجال الأمن للمخالفين.
غريزة جامعة لمعرفة تفاصيل الأشياء
العميد متقاعد دامان ونيس الدرعان الذي عمل مساعداً لمدير شرطة منطقة الجوف وكان متحدثاً رسمياً باسمها قال إنه لابد من الإشارة إلى السلوك المتبع لدى الكثير من الناس والذي يعتبر سلوك سلبي بطبيعة الحال وهو الفضول أي حب استكشاف المجهول والغريزة الجامحة لمعرفة تفاصيل الأشياء لدى الغير، وقال الدرعان إنه مع التقدم التقني من خلال الأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح استخدام هذه الوسائل بكل أسف لدى البعض استخداماً سيئاً ومنها تصوير الحوادث والمصابين والمتوفين كذلك، والتجمهر وإعاقة أعمال رجال الأمن والإسعاف ونحوها عن دورهم في سرعة مباشرة أعمالهم، فهذه السلوكيات التي يمارسها البعض تعد امرأ مشيناً وتنعكس سلباً على ذوي المتوفي أو المصاب في تلك الحوادث، ومع إدراك الذين يقومون بالتصوير أن ما يقومون به هي تصرفات خاطئة ومعيبة إلا أنهم يصرون بالاستمرار بهذه التصرفات مدركين أنهم لن يتعرضوا للمساءلة أو العقوبة.
وقال إن الدين الإسلامي يحث على مكارم الأخلاق ومن غير الأخلاق أن يقوم شخص بتصوير حادث ربما يكون هناك ضمن المصابين أو المتوفين امراة قد كشفت عورتها، فلا الدين ولا الأخلاق ولا العرف يبيح هذه التصرفات المنحرفة.
وطالب الدرعان بسن عقوبات صارمة على المتجمهرين ومن يقومون بتصوير الحوادث وأن يكون تطبيق العقوبة فوريا من قبل الجهة المباشرة للحادث.
لا يجب إظهار المسلم إلا بالمظهر الحسن
خطيب وإمام جامع السبيعي بسكاكا الشيخ عادل العضيب قال: من الظواهر السيئة التي انتشرت بين الناس مع وجود الأجهزة الذكية تصوير المصابين والمتوفين في الحوادث وهذا الفعل لا يجوز؛ من الواجب ستر المسلم وعدم إظهاره أمام الناس إلا بالمظهر الحسن لذا جاء في الحديث الذي صححه الألباني أن من غسل ميتا فستره غفر له أربعين مرة، فكيف بمن ينشر صورته وهو ممزق الجسد أو مقطوع الرأس أو غيرها من الصور التي تجرح فؤاد الأبعدين فكيف بالأقربين من وال أو ولد أو أخ هل تمحى هذه الصورة من ذاكرتهم ، ماهو الألم والعذاب النفسي الذي سيلحق بهم، متسائلاً هل يقبل هذا الناشر لهذه الصور نشر صورة أحد من أقاربه في مثل هذا الوضع، بل هل يقبل تصويره وهو حي سليم الجسد في لباس أو هيئة لا يريد أن يرى عليها ونشر هذه الصورة.
ألا فليعلم أولئك أن الستر مأمور به ومرغب فيه بالشرع، واستشهد الشيخ العضيب بقول النبي عليه الصلاة والسلام: أن من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. وقال الشيخ العضيب يجب أن يذكروا أن فعلهم هذا اعتداء على مسلم وعلى أقاربه ولا يقره الشرع ولا يرضاه العقلاء.
مفاسد دينية وقانونية ومجتمعية وإجرائية
عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الجوف الدكتور بدر المعيقل قال: إن تصوير الحوادث ظاهرة غريبة ممقوتة تجمع بين المحظور الشرعي، وقلة الأدب والذوق الاجتماعي، وإن الشرع بتوجيهاته السامية، دعا لاحترام كل ضرورة، ومن هنا كان الحفاظ على الكليات الخمس مطلبا من مطالب الشرع، وقال إن الحفاظ على النفس وكل ما يتعلق بها من أهم مطالب الشرع، وإن التعدي على هذه النفس بأي نوع من أنواع التعدي، أو التجاوز، أو عدم الاحترام، مما يعاقب عليه القانون، وتصوير الحوادث يجمع ذلك المحظور كله، شرعا وقانونا.
وأكد الدكتور المعيقل إن هذه الممارسة دليل على قلة الذوق الاجتماعي، وعدم احترام خصوصية الآخر، إذ فيه من التطفل، والتعدي على عمل الجهات المسئولة ذات العلاقة، وتقليب المواجع على أهل صاحب الحادثة، ما لا يخفى على عاقل فطن، ناهيك عن تعطيل سير العمل وإنقاذ المصاب على الوجه الأكمل واللازم.
واختتم الدكتور المعيقل بقوله (مفاسد دينية، وقانونية، ومجتمعية، وإجرائية، وذوقية أخلاقية، جمعتها ظاهرة تصوير الحوادث) .
تصوير الحوادث والجرائم المعلوماتية
المستشار القانوني الأستاذ محمد أحمد الحربي قال إن الحديث هنا عن ظاهرة منافية للإنسانية وهي ظاهرة تصوير الحوادث وما ينتج عنها من مصابين، فمن حيث الناحية القانونية، ننظر لهذه الظاهرة من عدة نقاط فالنقطة الأولى الأداة التي ساهمت في إنتاج هذا المقطع المصور والنقطة الثانية لماذا أنتج هذا المقطع. فإذا حددنا الآلة أو الأداة التي قامت بإنتاج المقطع المصور سوف نحدد النظام الذي نتبعه, فالأداة المستخدمة لإنتاج المقاطع التصويرية في الحوادث هي الهاتف المحمول بالإضافة إلى أن الهاتف المحمول يبث هذه البيانات عبر شبكة معلوماتية - الإنترنت - ووسائل تقنية، ولما تقدم من تأصيل بسيط للظاهرة نجد أنفسنا أمام نظام (مكافحة الجرائم المعلوماتية) وقد ذكر نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية من مادته الثالثة في فقرته الرابعة ما نصه: (المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها) وهنا نص على ذلك صراحة, إضافة إلى أن أي فعل تدخل الشبكة المعلوماتية في إحدى مراحله التكوينية له ينعقد الاختصاص في الأنظمة لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
فإذا قام شخص بإنتاج مقطع تصويري أو لقطة عمدا لشخص أخر دون علمه أو إذن مسبق فهنا نكون بصدد جريمة معلوماتية بل يعد ذلك من التطفل على الحياة الخاصة للآخرين - المنهي عنه شرعا ونظاما - وبناء على ما تقدم فإن من يقوم بتصوير حادث ما وتصوير المصابين أو الوفيات التي نتجت جراء الحادث.
هنا لا بد من معرفة نيته وقت التصوير انصرفت لماذا؟ فإذا انصرفت نيته عند تصويره لهذا الحادث فقط مجرد نقل خبر معين أو أمر غير مسوغ نظاما هنا نكون بصدد ارتكاب فعل مجرم نظاما وتطبق عليه المادة الثالثة من نظام الجرائم المعلوماتية و عقوبتها (سجن لمدة لا تزيد عن عام وغرامة لا تقل عن خمس مئة ألف ريال أو بأحدهما) لقيامه بالمساس بالحياة الخاصة وتجدر بنا الإشارة هنا بأن هذه العقوبة على جريمة التصوير (إنتاج مقطع أو لقطة تصويرية).
أما لو أنتجه ثم قام ببثه هنا يكون الشخص مرتكب لجرمين وهما إنتاج ما من شأنه المساس بالحياة الخاصة عن طريق الجوال، والجريمة الثانية بث (نشر) ما من شأنه المساس بالحياة الخاص عن طريق الشبكة المعلوماتية (الانترنت).
أما أن انصرفت نيته عند تصوير هذا المقطع أو اللقطة لتوثيقه للحادث لخشيته من ضياع الحقوق وإعطاء هذا المقطع للجهة المختصة دون بثه، فهنا لا بأس ولا يعد مرتكب لجريمة، ومثال ذلك كشخص قام بتوثيق هروب شخص قام بدهس شخص آخر ليسلمه الشرطة.
وقال المستشار الحربي: إن من لحقه ضرر جراء هذا التصوير فقد أتاحت وزارة الداخلية تقديم بلاغ عن طريق موقعها (أبشر) أو التوجه للجهات الأمنية لتقديم بلاغ والتي بدورها تقوم باتخاذ الإجراءات النظامية في مثل هذه الحالات.