«النقد الدولي» يؤكد أهمية التصحيح التدريجي في أوضاع المالية العامة للمملكة ">
الجزيرة - الرياض:
نبه المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إلى أن هبوط أسعار النفط بدأ يحدث انخفاضا كبيرا في إيرادات التصدير والمالية العامة في المملكة، متوقعا في هذا الصدد أن تسجل مالية الحكومة المركزية عجزا قدره 19.5 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015، وأن يظل العجز مرتفعا على المدى المتوسط، رغم انخفاضه المتوقع في عام 2016 وما بعده مع انتهاء الإنفاق على البنود غير المتكررة واستكمال المشاريع الاستثمارية الكبرى.
كما ذكر المديرون التنفيذيون في الصندوق، أن الهبوط الحاد في الإيرادات النفطية واستمرار نمو النفقات يمكن أن يسفرا عن عجز شديد في المالية العامة هذا العام وعلى المدى المتوسط، مما يقلص الاحتياطيات الوقائية التي بنيت على مدار العقد الماضي. وعلى هذه الخلفية، شددوا على الحاجة إلى إجراء تصحيح تدريجي ولكنه كبير في أوضاع المالية العامة على مدار عدة سنوات، باستخدام مزيج من التدابير على جانبي الإيرادات والنفقات. لافتين إلى أنه ينبغي أن تتضمن هذه التدابير إجراء إصلاحات شاملة في أسعار الطاقة، وإحكام السيطرة على فاتورة الأجور في القطاع العام، ورفع كفاءة استثمارات القطاع العام، وتوسيع نطاق الإيرادات غير النفطية بوسائل تتضمن استحداث ضريبة على القيمة المضافة وضريبة على الأراضي. كذلك اتفق المديرون على أن إصدار سندات دين لتمويل جانب من العجز يعتبر إجراء ملائما من شأنه المساعدة في تشجيع تطور الأسواق الرأسمالية الخاصة. ومع ذلك، يلاحظ أن مستوى الدين الحكومي بالغ الانخفاض حيث سجل 1.6 % من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2014.
جاء ذلك في بيان صحفي أصدره الصندوق عن نتائج مناقشة المجلس التنفيذي للصندوق للتقرير الذي أعده موظفو الصندوق بعد إجراء سلسلة من اللقاءات مع عدد من المسؤولين في المملكة تتعلق بمشاورات المادة الرابعة مع المملكة للعام الحالي 2015 التي يجريها الصندوق مع البلدان الأعضاء، متضمناً التنوية بالمستوى الذي تتميز به البلاد.
وأفاد التقرير، بأن المملكة ظلت من أقوى الاقتصادات نموا في مجموعة العشرين. وتابع: ونظرا لتصاعد أسعار النفط وزيادة إنتاجه، تمكنت المملكة من تحقيق فوائض كبيرة في المالية العامة والحساب الخارجي، وأدى ارتفاع إنفاقها الحكومي إلى قوة النشاط في القطاع الخاص، غير أن البيئة السائدة في سوق النفط العالمية شهدت تغيرا ملموسا على مدار العام الماضي مع هبوط أسعارالنفط بنسبة 50 % تقريبا. كما توقع أن يتباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 2.8 % هذا العام، ثم 2.4 % في عام 2016 حين يبدأ الإنفاق الحكومي في التكيف مع الانخفاض السائد في أسعار النفط، على أن يبلغ 3 % تقريبا على المدى المتوسط. كما ترجح التوقعات أن يظل التضخم في حدود منخفضة.
وأشار التقرير، إلى أن من المتوقع أن يسجل فائض الحساب الجاري عجزا محدودا في عام 2015 على أن يعود إلى تحقيق فائض في الفترة ما بين 2016 – 2020، وكان فائض الحساب الجاري قد تراجع إلى 10.9 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014. كذلك لفت التقرير إلى تباطؤات شهدتها حركة الودائع الداخلة إلى الجهاز المصرفي خلال الشهور الأخيرة، كما حدث انخفاض في معدل نمو الائتمان الخاص، ومع ذلك، فإن الجهاز المصرفي قادر على تجاوز انخفاض أسعار النفط وتباطؤ النشاط العالمي.
وأكد التقرير أن انخفاض أسعار النفط جاء ليضفي أهمية أكبر على الإصلاحات الهيكلية التي تحقق تحولا في تركيز النمو من القطاع العام إلى القطاع الخاص، مبينا أنه مع استمرار البطالة المرتفعة بين المواطنين والزيادة الكبيرة في عدد السكان ممن هم في سن العمل، تواصل الحكومة التركيز على الإصلاحات التي تستهدف زيادة توظيف المواطنين في القطاع الخاص، وتنويع النشاط الاقتصادي بتقليل الاعتماد على النفط.
وأوضح التقرير أن المديرين التنفيذيين للصندوق رحبوا بقوة أداء الاقتصاد السعودي، مشيرين إلى أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط من المرجح أن يؤثر على النمو في الفترة القادمة. ورأوا أن المخاطر الأساسية المحيطة بآفاق الاقتصاد هي عدم اليقين بشأن أسعار النفط في المستقبل، واحتمال تصاعد التوترات على المستوى الإقليمي. وفي هذا السياق، أثنوا على المملكة لالتزامها بتعزيز الاستقرار في سوق النفط العالمية وتقديم الدعم المالي للبلدان النامية في المنطقة.
واتفق المديرون، على أن تقوية إطار المالية العامة من شأنه دعم عملية الضبط المالي، لافتين في هذا الصدد إلى أنه ينبغي وضع الميزانية السنوية في إطار متوسط الأجل يحدد بوضوح نوايا الحكومة على صعيد السياسات، ويغطي كل أولويات الإنفاق الواردة في خطة التنمية الوطنية، ويحقق الفصل بين النفقات والإيرادات ا لنفطية المتقلبة على المدى القصير، مع ضمان تعديل الإنفاق تبعا للاتجاهات السعرية طويلة الأجل. رحب المديرون بخطة الحكومة الرامية إلى إقامة وحدة للمالية العامة الكلية، ونشر بيانات المالية العامة في صيغة مطابقة لدليل إحصاءات مالية الحكومة لعام 2001. كذلك اتفق المديرون على أن ربط سعر العملة بالدولار الأمريكي لايزال نظاما ملائما للصرف، مؤكدين في هذا الصدد الحاجة إلى ضبط أوضاع المالية العامة لدعم هذا النظام على المدى الطويل، كما رأوا من المفيد إخضاعه لمراجعات دورية بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لتقييم أثر إصلاحات سوق العمل والإصلاحات الهيكلية الأخرى.
وأيد المديرون السياسات الجارية لزيادة توظيف المواطنين في القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد. كما رحبوا بالجهود المبذولة لتعزيز مناخ الأعمال، وتطوير البنية التحتية، والاستثمار في التعليم والتدريب، وزيادة فرص العمل المتاحة للنساء، غير أنهم أكدوا أن تحقيق أهداف الحكومة يتطلب تعديل الحوافز المتاحة للشركات والعمالة بما يشجع إنتاج السلع التجارية بدلا من السلع غير التجارية، وتوظيف العمالة في القطاع الخاص بدلا من القطاع العام.
واتفق المديرون أيضا على قوة النظام المصرفي بما يسمح بتجاوز انخفاض أسعار النفط وتراجع النمو، وأيدوا الجهود المتواصلة لتعزيز التنظيم والرقابة في القطاع المالي. ورأوا أنه من المفيد إرساء إطار رسمي لسياسات السلامة الاحترازية الكلية لضمان التنسيق بين أهم الأجهزة المعنية والبناء على أدوات السلامة الاحترازية الكلية المستخدمة حاليا بصورة مضادة للاتجاهات الدورية. كما أشاروا إلى استمرار تقدم المملكة نحو تحسين جودة الإحصاءات الاقتصادية الأساسية وزيادة إتاحتها، مرحبين بخطة الحكومة للاشتراك في «المعيار الخاص لنشر البيانات» SDDS في عام 2016.