«خيمة عكاظ» معلم ثقافي سياحي فريد جذب أنظار حتى الأطفال ">
الطائف - هلال الثبيتي وعليان آل سعدان:
متربعة على صخرة، معطرة بعبق الماضي ومرصعة بتجهيزات عصرية تزفها إلى مستقبل واعد، متماسكة الأجزاء على مساحة 2572 متر مربع. عناصر جغرافية وفنية اجتمعت لتشكل خيمة عكاظ العصرية لتحتضن بين أروقتها جميع البرامج والأنشطة الثقافية.
الخيمة التي بلغ تمويل إقامتها 40 مليون ريال، تجبر الأطفال قبل الكبار على التأمل بها والتوقف كثيرًا أمامها وتفحص أجزائها الخارجية بدقة تاوزي دقة تصميمها، كاستعداد نفسي للدخول إلى قلبها النابض فكرًا وشعرًا، وفنًا وإبداعًا، متجولين بين ردهاتها التي تعود بهم إلى الماضي بنكهة الحاضر، مستحضرين خيمتي النابغة الذبياني والخنساء وقصائد العصر الجاهلي لتداهم مسامعهم أصوات الشعراء الحاضرين وتعيدهم بلمح البصر إلى الحاضر.
أصوات نخبة الثقافة والفكر من داخل المملكة وخارجها تصدح بجنبات الخيمة العصرية عبر تقنيات صوتية تداعب مسماع الحضور بأمواج من بحور الشعر وأطياف من ألوان الفلكلور الشعبي، تتسلل عبرها خيوط مضيئة تنير لياليها الثقافية وتزيد وهجها مبهرة عيون ضيوفها بتقنيات ضوئية تشعل الحماسة وتحبس الأنفاس.
مكونات خيمة عصرية جمعت بناء الإنسان وتطوير المكان، محققة تطلعات صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية لسوق عكاظ، الذي يعتبر تنفيذها يندرج ضمن سلسلة المشروعات الكبرى الرامية إلى بناء مدينة تاريخية وسياحية متطورة تتناغم مع البعدين التاريخي والسياحي لسوق عكاظ خاصة ومحافظة الطائف بشكل عام.
فرضت الخيمة العصرية أجواء ممطرة بتاريخ السوق الحديث، يبرق بين قطرات المطر معلمًا سياحيًا فريدًا، لتغرق أوديته سجالاً بين المثقفين والأدباء في كل عام، دون الحاجة لطوق نجاة في ظل الفعاليات المتجددة التي تنقلهم إلى بر الثقافة والفكر.
وعند المغادرة تتسابق ألسنة الزوار بالسؤال فيما بينهم حول أكثر مكونات الخيمة جذبًا للأنظار، لتختلف الإجابات إلا أن الاتفاق يحضر عندما يتمنون أخبار مرتاديه قبل 129 عامًا بلمسات التطوير المتتابعة، لمعرفتهم بأن سوق عكاظ كان يشكل أهمية كبرى لقبائل العرب حينها تتمثل باجتماع شيوخ القبائل بعشائرهم، وعقد المواثيق ونقض أخرى، كما كان السوق مضمارًا لسباقات الفروسية والمبارزة، وسوقًا تجاريًا واسعًا تقصده قوافل التجار القادمين من الشام وفارس والروم واليمن.
وجاءت خيمة عكاظ ضمن عناصر الخطة الإستراتيجية للسوق، التي بلورت رؤية الأمير خالد الفيصل، عندما قال لدى افتتاحه السوق في عام 1428هـ: «سوق عكاظ كان سوقًا تجاريًا وثقافيًا وفكريًا، كذلك الآن يعود سوق عكاظ ولا يجب أن يكون فقط لمحاكاة الماضي، وإنما لا بد أن نطرح فيه النظرة إلى المستقبل ومحاكاة القادة وسوق عكاظ في الجاهلية، وفي صدر الإسلام كان يقدم آنية اللحظة وآنية الفكر وآنية الثقافة وآنية التجارة، فيجب أن نعيد هذا المفهوم ونضيف إليه أن يقدم لنا آمالنا المستقبلية».
ورسمت الخيمة لوحة فنية رائعة عكست العمل الجاد على تطوير سوق عكاظ على مدى الـ8 سنوات الماضية بنكهة تاريخية، مرتكزًا على تأكيد الأمير خالد الفيصل، المستمر على «تقديم الفكر الجديد والإبداع الجديد تقنيًا مهنيًا حرفيًا ثقافيًا».
وحرص سموه في مراحل السوق المبكرة بالقول أمام ضيوف السوق من داخل المملكة وخارجها في الدورة الرابعة: «لا استغني عن أفكاركم وعن ملاحظاتكم وعن تطوير هذا السوق بجميع فعالياته.. كما أرجو كذلك أن توافوني بملاحظاتكم وآرائكم حول جوائز عكاظ، فإذا كانت هناك أفكار جديدة أرجو أن تكتبوها لي لكي نستفيد منها ونطور أسلوب تقديم الجائزة كذلك.. فأهلاً بكم في هذه المرحلة المبكرة على أمل أن نلتقي دائمًا في هذا السوق بأفكار جديدة وبطموحات جديدة وأفكار جديدة».
وكانت انطلقت أولى فعاليات خيمة عكاظ الثقافية في عام 1434هـ بندوة عن شعر الأعشى تحدث فيها الدكتور عبدالله الفيفي، شعبان زكي، الدكتور ناصر الرشيد، وسهام الفريح، وأدارها الدكتور عبدالله السلمي.
ونظمت في حينها أمسية شعرية شارك فيها عيسى جرابا (شاعر عكاظ)، الشاعرة جميلة الماجري، الشاعر علي عبدالله خليفة، والشاعرة أشجان هندي، وأدارها الشاعر أحمد التيهاني.
وشهد مسرح خيمة عكاظ في نسخته السابعة عرض مسرحيّة «الأعشى» من تأليف سامي الجمعان وإخراج فطيس بقنة، وبطولة ياسر المصري، ونايف خلف، وبمشاركة عدد كبير من الممثلين العرب.
واحتضن مسرح الخيمة هذا العام مسرحية «سُراة الشعر والكهولــة»، إِذ استخدم فيها شخصيات مركبة لبناء سيرة درامية غرائبية، تشمل في سياقها على تساؤلات عديدة حول لبيد بن ربيعة وما تركه من شعر وسيرة، الذي يظهر في العمل بأكثر من شكل وأكثر من سن، بوصفه من أشهر المُعمرين العرب مثلما شهرته في الشعر.
وتعد «سُراة الشعر والكهولة» التي اختارت أمانة سوق عكاظ الكاتب صالح زمانان، لكتابتها، عرضًا لمأساة الشعر والعمر المديد وملهاة الباحثين وعشاق الغناء ومطاردة القصائد كولاج بين الدراما والموسيقى والاستعراض، وتكتلات من الشخصيات الممزقة والجوقات الفنتازية المتفقة على التحكم وإدارة المصير.
يقول أمين سوق عكاظ الدكتور جريدي المنصوري، إن مسرحية لبيد بن ربيعة قدمت عوالم فنية مدهشة حفلت بالنص الشعري وأصوات الإنشاد لمقاطع من شعر لبيد تنفتح معها الأزمنة عبر تجذر عكاظ في ديار هوازن وجزيرة العرب.