د. فهد مطلق العبري ">
في البداية أود أن أتوجه بخالص العزاء والمواساة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وولي ولي عهده، وإلى أسر الضحايا وإلى الوطن بأكمله في ضحايا هذا التفجير الإرهابي الغاشم الذي استهدف مسجد قوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير، ونتج عنه استشهاد عشرة من منسوبي قوات الطوارئ الخاصة وثلاثة من العاملين في الموقع، وإصابة تسعة آخرين.
لعل أولى دلالات وقوع هذا الحادث الإرهابي في بيت من بيوت الله هو فشل هذا التنظيم عسكرياً. وهذا الفشل لم يكن ليتأتى لولا الجهود الجبارة لوزارة الداخلية والقائمين عليها الذين نجحوا -ولله الحمد- في القضاء على الكثير من مخططاته الإجرامية على أرض المملكة العربية السعودية.
ومن هنا لم يجد التنظيم الإرهابي القدرة على المجابهة فلجأ إلى استهداف المصلين في بيوت الله التي من المفترض أن تكون آمنة، حيث لم يحل أي دين أو عرف أو تقليد استهداف دور العبادة ناهيك عن المساجد. فقد جاء في وصية أبي بكر الصديق لجيش أسامة بن زيد: «ولا تقتلوا راهباً في صومعته». لكل هذا نبشر من قام بهذا العمل الإرهابي ومن وقف خلفه بالخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة. قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (114) سورة البقرة.
أما ثاني دلالات هذا العمل الإجرامي الغاشم فيتمثل في تلك اللحمة الوطنية المنقطعة النظير التي ظهر بها المجتمع السعودي. قد أثبت هذا العمل الإرهابي تماسك الوطن والتفافه حول قيادته. فكلما ضرب الإرهاب في مكان ما من الوطن بهدف النيل من الوحدة الوطنية كلما أثبت رجال هذا الوطن أنهم على قدر المسؤولية.
وهنا ينطبق عليم قول الشاعر:
يا ناطح الجبل العالي ليوهنه
أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
فلقد اطلعنا جميعاً على تصريحات والدي الشهيدين عيد الشهراني وعبدالعزيز الشهراني لجريدة المواطن. حيث أكد والد الشهيد عيد ماطر مبارك الشهراني في حديثه لـ»المواطن» اعتزازه وفخره باستشهاد ابنه عيد وهو في معقل من معاقل العز والشرف والدفاع عن أمن هذا الوطن الغالي.
وقال والد الشهيد الطالب عبدالعزيز عبدالله يحيى الشهراني البالغ من العمر 21 عاماً إن ابنه مستجد بقوة الطوارئ، مشدداً: أنا وأبنائي خُدَّام لهذا الوطن ونسأل الله أن يجعل جميع المتوفين من الشهداء عند الله.»
وثالث دلالات هذا العمل الإرهابي أن الإرهاب لا يفرق بين منطقة وأخرى أو مذهب وآخر داخل المملكة العربية السعودية. فبينما ضرب الإرهاب قبل ذلك بعض مساجد الشيعة في المنطقة الشرقية فهاهو يضرب اليوم مسجداً للسنة في المنطقة الجنوبية. وعليه يتبين لنا وبجلاء أن الأقلام المأجورة التي حاولت اتخاذ ما حدث في مساجد الشرقية ذريعة لبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، بل وزعزعة الثقة في حكومة المملكة العربية السعودية بحجة تقاعسها عن حماية المواطنين الشيعة ما هي إلا أقلاماً تتقيأ حبراً من الحقد والكراهية على هذا الوطن ومواطنيه بأطيافهم كافة.
أما رابع دلالات هذا العمل الإرهابي فيتمثل في حاجتنا إلى وقفة جادة ومختلفة عما سبق حيال مواجهة هذا الفكر الضال. فالمؤسسات التربوية المختلفة يقع على عاتقها الدور الأكبر في هذه الحرب بين تيار التكفير والقتل والتدمير وتيار التسامح والبناء والمحافظة على الحياة. ويقف على رأس هذه المؤسسات الجامعات. ولا يفوتني أن أشيد هنا ببرنامج تعزيز الهوية الوطنية الذي أطلقه معالي وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز ممثلة بمعالي أمينها العام الدكتور فهد السماري.
إن ديننا الإسلامي هو دين الحياة بامتياز. والأدلة على ذلك كثيرة جداً. قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (32) سورة المائدة. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء: 92). كما قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(النساء: 93). بل لقد أوصى المصطفى صلى الله عليه وسلم، المسلم الذي يحمل فسيلة بغرسها إذا استطاع يوم القيامة. وهذا لعمري أوضح صور المحافظة على الحياة في ديننا الإسلامي.