الكويت - طلال الظفيري:
- تصادف اليوم الذكرى الثانية لرحيل رائد العمل الخيري الداعية الدكتور عبدالرحمن السميط صاحب السيرة العطرة والإرث الإنساني الزاخر بالعطاء وهو الذي يمثل مصدر فخر واعتزاز للكويت ولكل العاملين في ميدان هذه الرسالة السامية.
ولايزال الراحل السميط الذي يعد نموذجًا مشرفًا للعمل الخيري الكويتي واحدًا دعائمه الرئيسة حيًا في وجدان وقلوب كل من عرفه وعنوانًا لتجربة خيرة وإنسانية فريدة جعلت العمل الإنساني صناعة كويتية بامتياز.
وأمضى الراحل قرابة 30 عامًا في إفريقيا حاملاً على كتفيه رسالة خيرية إنسانية وشارك في تأسيس فروع لجمعية الطلبة المسلمين في مونتريال وشيربروك وكويبك بكندا بين عامي 1974 و1976.
وعلاوة على ذلك أسهم الراحل بتأسيس ورئاسة جمعية الأطباء المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا عام 1976 ولجنة مسلمي مالاوي في الكويت عام 1980 واللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة 1987.
والراحل السميط عضو مؤسس في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وعضو مؤسس في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة وعضو في جمعية النجاة الخيرية الكويتية وعضو جمعية الهلال الأحمر الكويتية ورئيس تحرير مجلة (الكوثر) المتخصصة في الشأن الإفريقي.
وفضلاً عن ذلك كان الراحل يتمتع بعضوية مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان ومجلس أمناء جامعة العلوم والتكنولوجيا في اليمن وترأس مجلس إدارة كلية التربية في زنجبار ومجلس إدارة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في كينيا ورئيس مركز دراسات العمل الخيري حتى وفاته.
وعمل أيضًا طبيبًا ممارسًا في مستشفى مونتريال بين عامي 1974 و1978 وطبيبًا متخصصًا في مستشفى كلية الملوك لندن من 1979 إلى 1980 وطبيبًا متخصصًا في أمراض الجهاز الهضمي بمستشفى الصباح من عام 1980 إلى 1983 وتفرغ في عام 1983 للعمل في جمعية العون المباشر (لجنة مسلمي إفريقيا سابقًا) كأمين عام ثم رئيس مجلس الإدارة حتى 2008.
وانخرط الداعية السميط -رحمه الله- في العمل الخيري من خلال لجنة مسلمي إفريقيا في بداية الثمانينيات حيث بدأ العمل هناك على شكل مشروعات محدودة جدًا ببناء بعض المساجد في مالاوي ولم يكن يدرك ضخامة وخطورة الأوضاع التي تعانيها المجتمعات المسلمة هناك وبالذات ما يتعلق بهويتها الدينية والحضارية.
وكانت الأهداف محدودة بتقديم بعض المساعدات وبناء بعض المساجد وحفر بعض الآبار لكن الراحل بدأ يدرك بسرعة عندما بدأت اللجنة تجوب البلدان وتتوغل داخل القارة السمراء أن المخاطر والتحديات هي على درجة كبيرة جدًا من التعقيد والحدة.
وأدرك الراحل أيضًا أن من المستحيل التفكير في دعم وترسيخ الهوية الإسلامية للشعوب الإفريقية من دون العمل على تنمية تلك المجتمعات التي يعيش معظمها تحت خط الفقر بالتالي تغير مفهوم الدعوة لديه من دلالات المصطلح التقليدي إلى فهم شمولي للنهوض بالمجتمعات المسلمة الإفريقية نهضة شاملة واكتشف أوضاعًا مرعبة للمسلمين في إفريقيا.
ووضع السميط أرضية للعمل الخيري الميداني ولمؤسسة تتميز بالاستدامة وأوصل من خلالها المعطي بالمحتاج وفق أسلوب علمي حرص السميط على أن يكون لعمله صفة الاستدامة فالماء جار لمن يريد أن يشرب والدواء متوفر لمن يحتاج والمدارس والجامعات مفتوحة لمن يشاء وأسس مشروعات للمستقبل حتى تستطيع أن تدير نفسها بنفسها ولم يكن يرى أن مهمته هي نقل المعطي إلى المحتاج بل كان هدفه تأسيس مؤسسات راسخة.
وكان السميط من المؤمنين بأن الإسلام سبق جميع النظريات والحضارات والمدنيات في العمل التطوعي الاجتماعي والإنساني وتعود قصة ولعه بالعمل في إفريقيا بالسفر إليها لبناء مسجد لإحدى المحسنات الكويتيات في مالاوي فرأى ملايين البشر يقتلهم الجوع والفقر والجهل والمرض ويعيشون على مساعدات بعثات تنصيرية ومن ثم وقع حب هذه البقعة في قلبه ووجدانه وسيطرت على تفكيره.
وبدأ السميط عمله الخيري والتنموي وفي الدعوة بشكل بسيط في الكويت حيث غلفه بطموحات كبرى وكان ذلك أواخر السبعينيات وترك الراحل حياة الراحة والرغد وأقام في إفريقيا مع زوجته في بيت متواضع في قرية مناكارا بجوار قبائل الأنتيمور يمارسان الدعوة للإسلام بنفسيهما.
وحملت تلك الدعوة طابع العمل الإنساني الخالص الذي يكرس مبدأ الرحمة فيجتذب ألوف الناس لدين الإسلام وكان السميط زوجته يعيشان بين الناس في القرى والغابات ويقدمان لهم الخدمات الطبية والاجتماعية والتعليمية.
وزرع السميط حب العطاء وفن القيادة فيمن حوله وكان من أبرز من التقط هذا المنهج حرمه أم صهيب التي تبرعت بجميع إرثها لمصلحة العمل الخيري وهي أيضًا قائدة بارزة في مجالها بل أسست الكثير من الأعمال التعليمية والتنموية وتديرها بكل نجاح وتميز وهي بدعمها ومؤازرتها أحد أسرار نجاحه أيضًا.
وكانت كلمات الراحل اليسيرة يدخل بها أعداد منهم إلى الإسلام وكانت طرق الدعوة كثيرة ومتنوعة منها أنه كان يحمل معه ملابس ليقدمها هدية لملوك القرى تأليفًا لقلوبهم والحلوى لأطفال القرى من أجل إدخال السرور على نفوسهم.
ونادرًا ما كان الراحل يقدم المال للفقراء بل يقدم مشروعات تنموية صغيرة مثل فتح بقالات أو تقديم مكائن خياطة أو إقامة مزارع سمكية فهذه تدر دخلاً للناس وتنتشلهم من الفقر وتترك أبلغ الأثر في نفوسهم.
وأسلم على يديه وعبر جهوده وجهود فريق العمل الطموح الذي يرافقه أكثر من سبعة ملايين شخص في قارة إفريقيا فقط وأصبحت جمعية العون المباشر التي أسسها أكبر منظمة عالمية في إفريقيا كلها يدرس في منشآتها التعليمية أكثر من نصف مليون طالب وتمتلك أكثر من أربع جامعات.
وعلاوة على ذلك تمتلك الجمعية عددًا كبيرًا من الإذاعات والمطبوعات وبادرت بحفر آلاف الآبار وإعداد وتدريب آلاف الدعاة والمعلمين وتحول الآلاف من طالبي الصدقة والزكاة إلى منفقين لها بكل جدارة بعد أن طبق المنهج الإسلامي الواسع في التنمية المستدامة للأمم والشعوب.
وكان لدى السميط قناعة بأن المسلمين وصلوا إلى إفريقيا قبل أن يصلوا إلى المدينة المنورة فهناك كما كان يقول مسجد في جزيرة بتي في كينيا عمره 1320 سنة وهناك مسجد في زنجبار اكتشفته بعثة بريطانية عمره 1370 سنة وما زالت حتى الآن أطلاله موجودة هناك وعشرات بل مئات المساجد موجودة في إفريقيا خصوصًا في الساحل الشرقي عمرها أكثر من ألف سنة.
وتخرج السميط في جامعة بغداد كلية الطب عام 1972 وحصل على دبلوم أمراض مناطق حارة جامعة ليفربول عام 1974 وتخصص في جامعة ماكغل - مستشفى مونتريال العام في الأمراض الباطنية ثم في أمراض الجهاز الهضمي عام 1974 وعمل أبحاثًا في سرطان الكبد جامعة لندن مستشفى كلية الملوك (كينغز كوليدج).
وللراحل عدة مؤلفات وهي كتب (لبيك إفريقيا) و(دمعة إفريقيا) و(رحلة خير في إفريقيا) و(رسالة إلى ولدي) و(قبائل الأنتيمور في مدغشقر) و(ملامح من التنصير - دراسة علمية) و(السلامة والإخلاء في مناطق النزاعات) و(قبائل البوران وقبائل الدينكا) و(دليل إدارة مراكز الإغاثة) و(قبائل الغبراء) تحت الطبع إضافة إلى كتاب قبيلة الميجيكندا في شرق كينيا وكتاب حقيبة مسافر (تحت الطبع).
وحصل السميط على عدة جوائز وشهادات تقديرية ومنها وسام رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي المنعقد في مسقط عن العمل الخيري عام 1986 وجائزة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- لخدمة الإسلام والمسلمين عام 1996 ووسام مجلس التعاون الخليجي لخدمة الحركة الكشفية عام 1999 ووسام النيلين من الدرجة الأولى من السودان عام 1999 كما حصل على جائزة الشيخ راشد النعيمي حاكم إمارة عجمان عام 2001 والدكتوراه الفخرية في مجال العمل الدعوي من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان عام 2003 ووسام فارس من رئيس بنين عام 2004 وجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية والإنسانية بالإمارات عام 2006 وجائزة الشارقة للعمل التطوعي والإنساني عام 2009.
وحصل على وسام فارس العمل الخيري من إمارة الشارقة عام 2010 وجائزة العمل الخيري من مؤسسة قطر دار الإنماء عام 2010 وشهادة تقديرية من مجلس المنظمات التطوعية في مصر وجائزة العمل الخيري من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي للعمل الخيرى والإِنساني.
وفي مبادرة وفاء لابن الكويت ورائد العمل الإنساني في إفريقيا المرحوم الدكتور عبدالرحمن السميط أعلن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في كلمته الافتتاحية للقمة العربية الإفريقية التي عقدت في الكويت نوفمبر 2013 عزم دولة الكويت تخصيص جائزة مالية سنوية بمبلغ مليون دولار باسم السميط بإشراف مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
وخصصت الجائزة للأبحاث التنموية في إفريقيا نظرًا إلى الدور الإنساني الكبير الذي بذله السميط لعقود طويلة في جمع التبرعات وبناء المساجد والمدارس ومساعدة المحتاجين في القارة الإفريقية لتأتي تلك المبادرة وفاء واستكمالاً لدور السميط في القارة الإفريقية.
وفي سنوات عمره الأخيرة أصيب بمرض السكر وبآلام في قدمه وظهره وعانى حالة صحية غير مستقرة وأخذ يعاني توقف وظائف الكلى وخضع لعناية مركزة في مستشفى مبارك الكبير وبقي على هذا الحال حتى وافته المنية في 15 أغسطس 2013 عن عمر يناهز 66 عامًا.