وصيّة من عليه دَيْن
* مات أبي ولم يكتب لنا أي وصيّة، وما لَه وما عليه، وبعد مدة خرج لنا من يطالب بحقه، سؤالي: هل يأثم أبي بعدم إخبارنا بدينه؟
- الوصية جاء الحث عليها في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وغيره، والوصية منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ففي ما يلحق ذمة الإِنسان من ديون على الشخص فإنه يجب بيانها وإيضاحها، فيجب أن يبين الإِنسان ما عليه وما ثبت في ذمته من حقوق لله - جل وعلا - من الكفارات ونحوها، وما وجب للمخلوق، وقد جاء الحث على أن المسلم لا يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، [البخاري: 2738]، وأما ما عدا ذلك من المستحبات فإنَّ كتابتها حينئذٍ تكون تبعاً لأصلها فتكون مستحبة، وما دام هذا الأب لم يوص ولم يكتب وصية وبعد مدة خرج من يطالب بحقه منه فلا شك أنه مفرِّط في عدم ذكر هذا الدين وعدم تدوينه وعدم الاهتمام بشأنه؛ لأن شأن الدين عظيم، وقد جاء أن الشهادة في سبيل الله تكفِّر كل شيء إلا الدين [مسلم: 1885]، وحقوق العباد مبنية على المشاحّة، فعلى هذا ما دام جاء من يطالب بحقه من أبيكم فما عليكم إلا أن تتثبتوا من هذا الحق، ثم تقضوا دين أبيكم من تركته قبل قسمتها؛ لأنّ الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة:
أولها: مؤونة تجهيز الميت، تغسيله وتكفينه وأجرة دفنه وما يتعلق بذلك، هذا مقدّم على كل شيء.
والثاني: الديون المتعلقة بعين التركة، كالدين الذي فيه رهن.
ثم الديون المرسلة التي لا تتعلق بعين التركة بل بذمة الميت، وهذه يجب قضاؤها وتنفيذها سواء كانت لله - جل وعلا - أو كانت لمخلوق قبل القسمة.
والرابع: الوصية، قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فإن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أو دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فإن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أو دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أو امرأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أو أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فإن كَانُوَاْ أكثر مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أو دَيْنٍ} [النساء : 12].
ثم بعد ذلك يقسم الباقي على الورثة، كما جاء في كتاب الله - جلَّ وعلا - وفي سنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - . فهذا الذي لم يوص إذا جاءكم من يثبت دينه لزمكم أن تسددوا هذا الدين من تركة أبيكم.
***
علامة بدو صلاح الثمار
* كيف تكون علامة بدو الصلاح في النخل والعنب والثمر الذي لا يتلون، كبعض أنواع التفاح، والثمر الذي يؤكل صغيراً وكبيراً كالقثاء والخيار؟
- علامة الصلاح في النخل أي في التمر أن تَحْمَارَّ أو تَصْفَارّ، وفي العنب أن يتموه حلواً، والثمر الذي لا يتلون أن يطيب أكله، أي يبدأ بطيبه للأكل، والذي يؤكل صغيراً وكبيراً كذلك إذا صلح للأكل وأمن العاهة فإنّه يجوز بيعه، وفي الحبّ أن يشتدّ.
***
نسيان مقدار القرض
* أخذت مبلغاً من المال من أخي وطالت المدة بيني وبينه حتى نسيت قدر المبلغ الذي اقترضته، فكيف أعمل مع أخي لإرجاع المبلغ إليه؟
- إذا استدان الإِنسان أو اقترض فإنَّ عليه أن يكتب؛ لئلا يضيع هذا الحق، لكن ما دامت المسألة قد وقعت واقترض من أخيه مبلغاً من المال وطالت المدة بينه وبينه فإنه إذا طالت المدة نُسي المبلغ، ينساه المقترض وينساه أيضاً المقرض، ففي هذه الحالة على المقترض أن يدفع ما تبرأ به ذمته ويغلب على ظنه أنّه وفَّاه حقه، وإذا حصل الصلح بينهما فهذا لا شك أنه أولى، والصلح خير.
***
أخذ الأجرة على نظارة الوقف
* هل لناظر الوقف أن يأخذ من الوقف ما يريد؟ وكيف يحدد ذلك؟
- الناظر على الوقف - الذي يوصي إليه الواقف - الأصل فيه أن يكون متبرعاً، وإذا احتاج فله أن يأخذ ويأكل من الوقف بالمعروف، بما لا يجحف بالوقف ولا يضر بالموقوف عليهم، وأما إذا اختلفوا في تحديده فمردّ ذلك إلى القضاء، والقاضي هو الذي يفرض له ما يناسب عمله.
***
الضعف عن العبادة
* إذا ألزم العبد نفسه بعبادة ثم ضعف عن أدائها عند كبره فكيف يصنع؟
- إن كان معناه أَلزَمَ على سبيل الإيجاب بالنذر مثلاً فهذا لا بُدَّ له من الوفاء إلا إذا عجز عجزاً لا يستطيع معه أن يقوم بهذه العبادة، وأمّا إذا كان من باب العمل المطَّرد كما فعل عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - في قراءة القرآن حيث كان يقرأ القرآن في ثلاث، فقال له النبي - عليه الصلاة والسلام - «فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك»، [البخاري : 5054]، فكان يقرأ القرآن في ثلاث، وندم بعد ذلك؛ لأنَّه تعب في آخر عمره، وشق عليه أن يترك ما كان يعمله في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - [البخاري : 5052]، فمثل هذا الإلزام ليس بنذر، لكنه مع ذلك يَعجزُ عن مواصلة العمل الذي ألزم به نفسه من غير نذر، أي لا على سبيل الوجوب لكنه اعتاده، ولا شك أن ترك مثل هذا العمل المعتاد خلافاً لسنته - عليه الصلاة والسلام - ، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - «إذا عمل عملاً أثبته» [مسلم : 746]، وأحب العمل أدومه وإن قل [البخاري : 6464]، فلا يعرِّض الإِنسان نفسه لأمر لا يستطيع المداومة عليه؛ لأن عدم المداومة على العمل الصالح شبه نكوص عن الطاعة، فعلى الإِنسان أن يَكْلَف من العمل ما يطيق ولا يشق على نفسه بحيث يجد نفسه في يوم من الأيَّام عاجزاً عن مثل هذا العمل، وإذا كان إلزامه لنفسه بالعبادة على سبيل النذر ثم لم يستطعه فإنه يكفر كفارة يمين ويتحلل منها إذا عجز، وأما إذا ألزم نفسه من غير نذر فإنه يتخوّل من الأعمال ما يطيقه ويعوِّض عن هذا النقص بقدر الإمكان.
والكلام هنا على المداومة، وأما استغلال الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة والاجتهاد فيها فهذا كان دأب السلف - رحمهم الله - ، والنبي - عليه الصلاة والسلام - ما حفظ عنه أنه قام ليلة كاملة [مسلم : 746]، لكنه في ليالي العشر من رمضان يقوم ويشد المئزر ويطوي فراشه ويعتزل أهله [البخاري : 2024].
يجيب عنها - معالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء - عضو اللجنة الدائمة للفتوى