عبدالعزيز عبدالله الرشيد ">
إذا كان فقدان الحياة أمراً مقلقاً لبعض الناس، فإنَّ ترك الدنيا بالنسبة لهؤلاء الإرهابيين بداية تكريم إلهي مرموق الجلال شهي المنال..؟! صدق الشاعر حين قال:
يطلب الراحة في دار الفنا ** خاب من يطلب شيئاً لا يكون
لقد تفطّرت قلوبنا على شباب في عمر الزهور واقفين بين يدي الله، يدخل ويصف بينهم أخ لهم سحنته مثل سحناتهم، تجري في عروقه خليط من دمائهم.. وفي لحظة سمو مع الله في الصلاة خاشعين، يفجّر نفسه بهم.. تتطاير الأشلاء متسائلة بأي ذنب قطعت؟!.. نعم ان هذا المفجر الانتحاري منا وفينا.! قد يكون أخاً أو عمَّاً أو خالاً أو من نفس العائلة أو القبيلة..؟! هنا ينطبق علينا وعلى حالنا القول (بلاك لا صار داك برداك)، مصيبتك إذا صار عدوك من الأقربين لك دماً ورحماً.
لم أجد مثلاً لهذا العوج الفكري المريض إلا وباء (كرونا)، فالمريض بمرض كرونا لا يعلم انه مريض، وهؤلاء السذج المرضى قد يحتاجون لاكتشاف جراثيمهم إلى البصر الدقيق المتفرس، وقد يكون ذلك سهلا بين العوام ولكنه يصعب على الذين يدّعون التدين وهم سذج، فإنَّ الشعائر الرتيبة قد تنسج حجابا سميكا على طبائعهم، ولكنها لا تمحو رذائلهم ويسيطر عليهم الجهل والغرور، وأصبحوا وصايا على المسلمين، يتلقى الفتاوى ممن يختار ما يشاء من التاريخ والإرث الثقافي الإسلامي ليبرر به مآربه الشخصية.. وكما هو كرونا فمن حوله أيضاً لا يعلمون إصابته، فهو يبدو مثلنا، بل هو أكثر التزاما بالسمت الطيب لمن هو «ملتزم» وهو بإصابته هذه من الممكن ان يقتل عائلته بل مدينته بأكملها من وراء أفكار داعش وغيرها من الجماعات التكفيرية بحسن نية أو بسوء نية، أو بوجود أمراض نفسية دفينة ينتج عنها سلوك اعوج، أو تغلب آفات الظهور والاستعلاء أو رذائل القسوة والتسلط عليهم، فيجدون في داعش وأمثالها حاجة رفاهية وتغيير، أناس لم يهذبوا أنفسهم بالأخلاق التي بعث صاحب الرسالة ليتمم مكارمها.. أناس صور العبادة عندهم غطاء غليظ، وغرائز فجة، أرأيتم الرجل الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم: اعدل، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله! انه - والله - ما يغار على العدالة، ولا يأبى على الجور، انه طالب ظهور عن طريق الغيرة على القيم، وهذا ما يفعله الداعشيون من قطع الرؤوس والتفجير وقتل رجال في بيت الله «دفاعاً عن الدين والسنة كما يدعون؟!» انهم وأمثالهم كما قال رب العالمين {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ}.
يُنقل عن العالِم الإسلامي الشيخ الشعراوي (رحمه الله) انه قال: كنت أناقش أحد الشباب المتشددين فسألته: هل تفجير ملهى ليلي في إحدى الدول الإسلامية حلال أم حرام؟.
فقال: طبعاً حلال وقتلهم جائز.
فقلت له: لو انك قتلتهم وهم يعصون الله ماهو مصيرهم؟
قال: النار طبعاً.
فقلت له: الشيطان أين يريد ان يأخذهم؟.
فقال إلى النار طبعاً.
فقلت له: إذن تشتركون انتم والشيطان في نفس الهدف وهو إدخال الناس إلى النار!. وذكرت له حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مرّت جنازة يهودي اخذ الرسول يبكي.
فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟؟ قال: نفس أفلتت مني إلى النار.. فأكمل الشيخ الشعراوي: لاحظ الفرق بينكم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - الذي يسعى لهداية الناس وإنقاذهم من النار.. انتهى.
فما بالكم من يقتل الركع السجود في بيوت الله.. ان هؤلاء التعساء مذهولون عن أنفسهم، تائهون عن حاضرهم، إن شعورهم بالهوان والحرمان، قد شلّ تفكيرهم، فأنى يعرفون الحق من دينهم؟ أو يشعرون بما قد قدموا له.. أنا لا أنكر ان وراء عقولهم الضامرة، قلوبا فيها إيمان ما، وتدين ما، لكن قيمة هذا كله تافهة، لا تجدي لأصحابها إلا الخسران في الدين والدنيا، ان التدين مع العوج الفكري والنفسي نوع من الخبال تتجاور فيه المتناقضات، وقد تضيع الحقيقة ويبقى الشكل الذي لا وزن له.
في النهاية أقول لهؤلاء قول الشاعر:
أمامك فانظر أي نهجك تنهج ** طريقان شتى مستقيم واعوج
والله من وراء القصد،،