عندما کتب النصر للثورة الإيرانية وسقط نظام الشاه، استبشر وصفق لها المسلمون عموماً والشيعة العرب خصوصاً بحرارة، علماً بأن الشيعة العرب قد أخذتهم إلى حد کبير الأسباب المذهبية البحتة عندما اعتقدوا بأن هذه الثورة ستمثّلهم وستکون محط آمالهم وأنها ستعکس وتجسد أمانيهم وطموحاتهم.
البعض من الشيعة العرب ممن کانوا يشددون على أنهم يعانون من ظلم يسير واعتقدوا بأن نظام ولاية الفقيه سينتصر لهم ويرفع عنهم الظلم ويجعلهم يعيشون في رفاه ونعيم، ولذلك تهافت العديد منهم وانخدعوا وانبهروا بالشعارات البراقة ولهثوا خلفها دونما تمحيص أو بحث وروية، وجعلوا أنفسهم في خدمة هذا النظام واعتبروا ما يصدر عنه هو الحق والصواب.
نظام ولاية الفقيه وبعد أن استتب له الأمر في طهران ونکل بکل الأطراف الوطنية الإيرانية بمختلف اتجاهاتها وأطيافها التي ساهمت في قيام الثورة ونجاحها، فإنه وعلى عکس ما کان متوقعاً بأنه سيجعل الشعب الإيراني في خير ونعيم ورفاه لم يشهده من قبل أبداً، فإن هذا الشعب صار يتحسّر على أسلوب معيشته في عهد الشاه ويسميه «زمن الخير»، وليس بغريب وعجيب أبداً موقف الشعب هذا، ذلك لأنه وفي عهد ولاية الفقيه فقد صار أکثر من 70 % من الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، فيما يواجه 15 مليوناً آخرين المجاعة وتعاني 11 مليون عائلة إيرانية من الإدمان على المواد المخدرة وعشرات الآلاف ممن يقضون ليلهم في العراء وهم يتغطون بقطع الکارتون فيما ترتفع نسبة البطالة بين الشعب إلى أکثر من 30 % وهي نسبة مرعبة وترتفع نسبة العنوسة والعزوبية بين الشابات والشباب الإيرانيين، والأنکى من کل ذلك أن هناك شوارع في طهران باتت تشهد ليلاً انتشار نساء يعرضن أجسادهن للبيع جراء الفقر والمخدرات والمجاعة! وتقول تقارير من داخل إيران إن عددهن أکثر من 300 ألف.
في انتفاضة عام 2009، والتي شهدت حرق وتمزيق صور الولي الفقيه والهتاف بالموت له والسقوط للنظام، ردد المنتفضون شعارات من قبيل (لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإيران)، کدليل واضح على رفضهم لتدخل النظام في غزة ولبنان وغيرها وصرف ثرواتهم هناك، ولا غرو فإنه من الإنصاف القول بأن للشعب الإيراني کل الحق في موقفه هذا، لأن الأوضاع قد ضاقت به کثيراً حيث وصل إلى درجة أنه صار يعرض أطفاله للبيع في إعلانات صريحة، علماً بأن الخميني وفي بداية الثورة کان يتهکم ويسخر من نظام الشاه لأنه شهد حالات بيع للبنات القاصرات في بعض المناطق النائية من إيران، لکنه «أي الخميني» تناسى أن في عهده ستُباع البنات والأطفال في طهران نفسها، وبعد هذا نريد أن نلتفت لإخوتنا من الشيعة العرب ونتحدث معهم بالصراحة التي عودونا عليها دائماً ونخاطبهم، ماذا تنتظرون من نظام وصلت الحالة بشعبه إلى هذا المفترق البائس؟!
نحن نطالب الشيعة العرب وخصوصاً في البحرين والعراق وسورية واليمن ولبنان أن يرجعوا بذاکرتهم إلى الخلف وتحديداً قبل مجيء نظام ولاية الفقيه، هل کانوا يعانون من أوضاع ومشاکل کالتي يعانون منها الآن؟ ما سبب التظاهرات العارمة في المحافظات الجنوبية العراقية والتي تتکون من الشيعة بصورة کاملة؟ هل کان الشيعة العرب في العراق ولبنان يعانون من هکذا أوضاع وخيمة قبل مجيء هذا النظام؟ وهنا نجد لزاماً على أنفسنا الإشارة إلى الآية الکريمة من سورة البقرة {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}، ذلك أن الأوضاع التي يعيشها الشيعة العرب ويعانون منها لم يکونوا أبداً يواجهونها من جانب حکومات بلدانهم خاصة في الخليج والعراق ولبنان، ونخاطبهم بلغة ومنطق الحرص عليهم «وخصوصاً لأولئك الذين تمادوا وانخدعوا کثيراً بشعارات نظام ولاية الفقيه» ونقول لهم: مع الأخذ بعين الاعتبار ما قدمتموه وتقدمونه لهذا النظام، ما الذي قبضتموه غير البأس والفقر وانعدام الأمن والاستقرار والفوضى والفساد والإفساد والعداء مع الآخرين؟
إننا وبعد کل هذه الحقائق والوقائع التي سردناها، نطالب إخوتنا الشيعة العرب أن ينتبهوا إلى أوضاعهم ويأخذوا الحيطة والحذر من دعوات ومشروع نظام ولاية الفقيه الذي يريد أن يجعل الشيعة العرب جسراً من أجل تحقيق أهدافه المشبوهة, وأن يعودوا إلى أنفسهم وإلى شعوبهم وأحضان أوطانهم وأمتهم وواقعهم, وأن يحافظوا على أمن واستقرار أوطانهم, وينأوا بأنفسهم عن نظام مشبوه في کل شيء, ويشكروا الله عزَّ وجلَّ على نعمة وجودهم في أوطانهم الآمنة المستقرة وهم في عيشة كريمة كما قال أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه): «نعمتان مجهولتان الصحة والأمان».
السيد محمد علي الحسيني - الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان