الجوهرة العنزي ">
للحزن حدود وللذكرى صوت يئن في قلوبنا كلما دق ناقوسها وللحنين سهم لا نقاومه حين يكون صائباً.
جلست في ذاك المكان وأسندت ظهري وأطرقت ببصري للبعيد وخيالي إلى ما لا حدود.
وقعت عيناي على تلك الطفلة تلعب مع صويحباتها بكل فخر وزهو ترتدي ذاك الجورب الأحمر والحذاء الأسود.
تابعتها بكل حركاتها وسكونها وهي تقفز يمنة ويسرة فرحة مسرورة.
عادت بي الذكرى لأيام الطفوله آآآهـ ما أجملها وما أعذبها من مرحلة مررت بها لم أنس ذلك اليوم.. كنت مع والدتي في السوق ومازلت الطفلة ذات الثمانية أعوام كان بيدي ريال، وما أعظمه من كنز ذاك الوقت، فقد حرصت عليه كثيراً من الضياع، رأيت ذلك الشيخ الكبير يفرش فراشاً صغيراً ويعرض بضاعته أمامه اقتربت منه وأعجبني ذاك الجورب الأحمر ذا الوردة البيضاء أردت شراءه.. سألته بكم الجورب يا عم؟ قال: بريالين نظرت إلى كنزي الذي اُمسك به.. وسقط الأمر في يدي لا أملك إلا ريالي الوحيد واحترت في أمري ماذا عساني فاعلة لكن براءة الطفولة هي من وجدت الحل. قلت يا عم: أعطني هذا الجورب بريال وعند دخولي السوق مرة أخرى أعطيك الريال الآخر.
ضحك ذلك الشيخ وقال: يا طفلتي خذيه هدية مني وأبقي ريالك معك، أخذته وعدت للبيت، وفي صباح الغد اأرتديته في المدرسة مع حذائي الأسود,كنت أميرة بحق في المدرسة ذلك اليوم مازلت أتذكر ذلك الموقف، وذلك الشيخ الكريم ومازال وجهه وابتسامته الأبوية الحانية لا تفارقني، كلما تذكرت ذلك الموقف ترتسم على وجهي ابتسامة عفوية، ولا أملك إلا أن يلهج لساني بالدعاء له، وعادت بي سفينة الذكرى إلى مرسى الواقع وصحوت على ضحكات تلك الطفلة وهي تلعب، كنت أتذكر طفولتي بكل تفاصيلها طفولة كلها براءة وعفوية متناهية لاحدود لها اليوم، أريد أن أمزج بين تلك الطفلة ببراءتها وبين الشابة اليافعة الآن فلا أستطيع.
فقد كبرت الطفلة وتغيرت مفاهيم الحياة لديها، لكنها عندما تتعرض لجرح أو ظلم من أحد تعود تلك الشابة كطفلة تنكفئ على نفسها ولاتملك سوى دموعها ويد تُمسك بجرحها وتتألم لكنها عرفت شيئاً ماعرفته في الطفولة, عرفت الانطراح بين يدي العزيز الرحمن، والالتجاء له والاعتصام بحبله حينما تضيق بها الدنيا فهذا هو الحد الفاصل بين الطفولة والشباب. فرغم أن الشباب كله عقل ونُضج إلا أن براءة الطفولة لها سحرها الذي لا يقاوم.
وحين أُبحر في بحر الطفولة فلا أتذكر إلا طفولة معذبة تعاني من الظلم ومن القسوة إماتحت قصف المدافع, وإما تحت جور سوطٍ ظالم ينتهك تلك البراءة ويقتلها في مهدها، لكم الله يا ورداً افتقد الماء لينمو في حبٍ وطُهر ولكم جنان السماء كالولدان المخلدون فتنعم تلك الطفولة في عالم الإيمان عند ربٍ راضٍ غير غضبان.