لم يعد في وسع دولة الاحتلال الإسرائيلي أن تغطي عورتها بعد اليوم من خلال جماعات الضغط الصهيونية التي تسعى لكسب التأييد العالمي، فإسرائيل التي تتوسع كل يوم في إطلاق العنان لمستوطنيها الذين تجلبهم من جميع أصقاع الأرض، لتستخدمهم قوى بشرية تغمر بها أراضي الفلسطينيين، حتى تنهب المزيد منها كل يوم حتى لم يعد لأهل الأرض منها إلا هامش ضيق يعيشون عليه، تؤكد للعالم بتجاهلها النداءات العالمية الرافضة لهذه السياسة الظالمة العدوانية، أن كل من صدق أباطيلها ودموع التماسيح التي ذرفتها للعالم حتى تستدر عطفه، كان ضحية لخداع دولة قامت على انتزاع أرض لم يكن لها وجود فيها أصلاً قبل وعد بلفور المشؤوم الذي كان عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
وعلى الرغم من قائمة الاعتداءات والمذابح الإسرائيلية الطويلة التي شهدت وقائعها أرض فلسطين البطلة، فإن واقعة الاعتداء بالغة البشاعة التي راح ضحيتها الطفل الفلسطيني الرضيع علي سعد دوابشة، تكشف عن الوجه الهمجي البربري لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، ولغة إرهاب الدولة التي تسعى إسرائيل لتطويرها من مواجهات بين المواطنين الفلسطينيين العزل، إلى مواجهة مع قطعان مستوطني دولة الاحتلال وبلاطجتها الذين دفعت بهم إلى المشهد تحت رعايتها.
ولا ينبغي أن تشغلنا مأساة شهيدنا الرضيع علي - رحمه الله وألهم أهله الصبر والسلوان - عن المعتدي الحقيقي، ليس في واقعة استشهاد الطفل علي دوابشة، بل في جميع وقائع الاعتداء الماضية والآتية التي نعرفها ونتوقعها، من جماعات مهاجرين أطلقت دولة الاحتلال أيديهم في أراضي الفلسطينيين ودمائهم وديارهم، الأمر الذي لم يعد أخلاقياً صمت الضمير العالمي عليه أكثر من ذلك، ليس الشجب الرسمي الذي نتلقى المزيد منه إثر كل فاجعة هو الذي يعيد لنا شيئاً من أرضنا المنهوبة، ولا أبناءنا المستشهدين، وإنما بقرارات أممية عادلة ورادعة وتدخل حاسم من القوى الكبرى في المنطقة والعالم لوقف هذه المهزلة، فوجود دولة الاحتلال الإسرائيلية من دون محاسبة أكثر من ذلك، يرشح فلسطين والمنطقة لتطورات لن تحمد عقباها، فالخبرة مع دولة الاحتلال تقول إنها لا تريد حلولاً، وتريد الأوضاع معلقة هكذا ربما إلى الأبد، لأنها مستفيدة منها، فقط الشعب الفلسطيني يوماً بعد يوم يفقد رباطة جأشه مع كل شبر يفقده من أرضه، ومع كل شهيد يرتقي.
ثم تأتي دولة الاحتلال فتتعهد على لسان رئيس وزرائها بالقبض على مرتكبي الجريمة النكراء، فيقول بنيامين نتنياهو إنّ إسرائيل ملتزمة «بمحاربة هذا الشر، وإيجاد مرتكبيه وتقديمهم للعدالة». لولا الفجيعة لضحكنا.
جمال الشوبكي - سفير فلسطين في جمهورية مصر والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية