شاكر بن صالح السليم ">
أثار الدكتور عيد اليحيى موضوع الضرب في المدارس، وهو شاهد على معلميه، وذهب البعض للدفاع، وبعضهم تهجم على الدكتور، ورحم الله الدكتور محمد الرشيد، فقد وضع حداً لما ذكره الدكتور يحيى، ولا يزال الوضع بحاجة للتصحيح.
الأسئلة كثيرة، ومنها: هل لدينا جرائم تربوية وتعليمية؟..
وهل نستعيب توصيف ما نواجهه في التعليم بهذا العنوان؟..
وهل نحن بحاجة لطلب تحديد الجنح والجرائم والمخالفات التعليمية والتربوية، التي تحتاج لعقوبة خاصة؟..
تحديد الإخفاقات التعليمية والتربوية، يختلف جذرياً عن الجرائم التعليمية والتربوية، بغض النظر عن تعريف المفردات فقهاً وقضاء، حتى ولا عرفاً.
إدارة قضايا المعلمين، تم تغييرها لإدارة شاغلي الوظائف التعليمية، وشارك ذلك باحترام المعلمين، من حيث تسليط الضوء على غير المباشرين للتدريس، وعدم قصر القضايا على المباشرين للتدريس فقط.
هل شارك رجال القضاء الإداري ووزارة العدل في نظام قضايا شاغلي الوظائف التعليمية؟.. وهل يمكن عرضه عليهم، وما دور تأديب الموظفين في توصيف وشرعية نظام شاغلي الوظائف التعليمية؟.. لماذا لا يكون شاملاً لكل ما يحصل في التعليم، سواء في الإدارات أو الوزارة أو من قبل الطلاب، أو من أولياء الأمور، وزائر المدرسة الرسمي وغير الرسمي، مع تحديد ما يجب نزعه من سلطة النظام للمحاكم الإدارية والعدلية، لنضع حداً لكل حالة؟.
قضايا العرض والنفس والمال والدين والعقل وغيرها، تتداخل مع ما يمكن التفكير فيه، عند الاستعانة بأي نظام يختص بشأن ما، على مستوى تحديد القضية وعقوبتها، كما لكل مجال ما يخصه من مخالفات وجنح وجرائم وقضايا. إذا كانت الحرب شرعية في حالات وغير شرعية في حالات، إلا أن القانون يحدد ما نسمعه عنه عند وصف مجرم الحرب، وملاحقته، وعليه فلا بأس، لو حددنا مجرم التعليم، دون تخصيص شاغلي الوظائف التعليمية، إذا كانت ساحة التعليم وميدانه التربوي يعد مكاناً للنقاء، لإضافة مزيد من الاحترام والتقدير لشاغلي الوظائف التعليمية، باختلاف مهامهم.
تحديد مجرم التعليم والتربية، لما يحدثه من فساد أو مخالفات أو مشاكل أو جرائم، لا يقل أهمية عن أي جريمة تحدث خارج ميدان التعليم!.
ما يحدث للطلاب والأكاديميين وأولياء الأمور من مضايقات وجرائم، سببه النظام غير المحدد، لمعرفة الخطأ وعقوبته.
لكل نظام مخالفات وعقوبات محددة، إلا أن المدارس والجامعات تحتاج لمثلها.
لن نصل للصواب إذا لم نحدد الجريمة، ولن نقض على الجريمة بلا رادع، ولا ردع ولا عقوبة بلا تحديد.
تتداخل بعض الجرائم، وربما تتعارض شكلاً أو تتماها العقوبات، إذا تعددت الأنظمة والقوانين، فجريمة العرض في عالم الوسائل، قد ينتج عنها عقوبات متعددة أو مجتمعة، كما يعاقب الشرع على جريمة ما، في العرض، فقد يقع المجرم أو الجانح في جريمة عبر وسيلة إلكترونية، فيستعين القاضي بأكثر من نظام وعقوبة، رتبها الشرع والنظام معاً.
كذلك الحال في التعليم، قد يقع المجرم أو الجانح في جريمة يختص بعقوبتها الشرع، عبر القضاء، ثم قد نوفر للقاضي نظاماً للجرائم التعليمية والتربوية، وأيضاً قد تتزاوج العقوبات معاً.
تمنع الأنظمة تحويل كل القضايا التعليمية وغير التعليمية للقضاء، كما يتم إصدار العقوبات دون الاستعانة بالقضاء، ليس في التعليم فقط، بل في غيره من الدوائر الحكومية. قبل حصر الجنح والجرائم في ميدان التعليم، نحتاج لتحديد الواجبات، ثم الحقوق ثم العقوبات، مع عدم إغفال ما يندرج تحت الأنظمة والقوانين الأخرى، علاوة على ما لدى القضاء من عقوبات ثابتة أو متغيرة أو مشهورة فيما درج عليه القضاء شرعاً.
امتناعنا عن الاستعانة بالقضاء ليس حلاً، كما أن تحويل كل شيء ليس صواباً، ويتطلب الواقع حفظ ما يخص التعليم لمعالجته تربوياً، كما هو حفظ قضايا المرور والعمال والتجارة وغيرها، ولكن ذلك لم يمنع كل جهة من تحديد المخالفات والعقوبات، وتحديدها مع جهات أعلى، فهل التعليم قادر على فعل ذلك، أي مشاركة جهات أخرى، للاتفاق على نظام شامل، يحدد العقوبات؟.
القضاء لا يشرع الأنظمة والقوانين ولم يقدم الأحكام الشرعية أو الإسلامية، بل الإسلام شارك في صناعة القضاء، ولكن، القضاء يشارك في خبرات القضاة، لتحديد ما قبل المداولة وما قبل تنفيذ الأحكام، ويساعد على تصور ما يمكن تقنينه من عقوبات، وما لا يمكن.
بعد تناول ما سبق، علينا أن نتذكر قانون التحرش، ونسأل عن إمكانية اعتباره تربوياً، لأنه لا يمكن قبول الاعتداء على العرض، إذا كان باللسان بقانون التحرش، فلمس المرأة على سبيل المثال، لا يمكن اعتباره تحرشاً، بل تعدى التحرش، لفعل يستحق عقوبة مقدرة، قياسها على أحكام التعدي على الأعراض، لا عقوبة محددة، لكي لا يستهين الناس بما فوق التحرش اللفظي، بسبب مفردة تحرش.
حصر التحرش بالأقوال فقط، يمكن قبوله، ولا يحتاج لقانون مطول أو محاصر، ويمكن الاكتفاء بإصدار إعلان عن عقوبة التحرش اللفظي فقط، وإعلان محاصرة الحالات الأخرى بعقوبات مذكورة ومحددة في نظام آخر، فالتحرش عبر وسائل التواصل أو الأجهزة الإلكترونية، يلحق بجرائم الأجهزة الإلكترونية ونحوها، وحالات الخلوة واللمس وما هو أعلى منها، يحدده اجتهاد القضاء، فهو كفيل بإصدار أحكامه على حالات اللمس ونحوها، مع زيادة العقوبة إذا رافقها تشهير بالوسائل الحديثة، ونظام الجرائم الإلكترونية كفيل بذلك، وذلك يمنع التساهل في الاعتداء على الأعراض.
في الختام يبقى السؤال: متى تحدد الجرائم الأسرية، لنعرف المجتمع بالعقوبات، وما دور النظام الذي يتداخل مع الجرائم الأسرية، كأذى الأطفال، وما موقف الشرع في حالات الاعتداء على النفس والعرض والمال، إذا كان المجرم من الأسرة؟
جريمة إخفاء طلاق الزوجة، جريمة ترك النفقة، جريمة طرد الزوجة من بيتها، قبل صدور صك الطلاق وما يمكن قبوله بعد الطلاق في بقاء الزوجة ببيت زوجها من عدمه، وجريمة السفر بالأولاد خلافا لحكم القضاء أو خلافا للنظام، وغيرها، هل حصرت وهل لها عقوبة محددة؟.
تكاثر الأنظمة والعقوبات تثير الإشكال، ولكن مع تعدد الجرائم ونوازل الجرائم الجديدة، لابد من دراستها، والتمسك بما يجعل معرفة العقوبات ميسرا، لتؤدي دورها الوقائي أولاً، والعلاجي ثانياً، وتحقيق العدل أولاً وأخيراً.