عبر صفحاتك المتجددة التي تنقل لنا كل ما هو جديد ومفيد، أجدد اللقاء بكم لأشكر حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه - على ما تُولي الحرمين الشريفين من العناية والرعاية والاهتمام وضخ المليارات ليكونا مضرب مثل ومكاناً لائقاً لما شرفهما الله به، ولا أدل على هذه العناية والرعاية إلا بوقوف خادم الحرمين بنفسه على ذلك، ولقد كتبت العام الفارط وعبر هذه الصفحة الغالية بالعدد رقم 15313 تحت عنوان: (ملاحظات هامة في محيط الحرمين الشريفين)، وتوقعت أن أجد أثناء زيارتي ما يسر الخاطر من استفادة عبر ما يسطر في الجزيرة من ملاحظات من العديد من زائري مكة، ولكن مع الأسف الشديد لا يُستفاد مما يُكتب، وأحيل المسئولين في الرئاسة لمقالي السابق ودراسة ما جاء فيه، وهل تم تلافي ولو جزء بسيط من الملاحظات؟.. ولكن مما يسر الخاطر ويبهج النفس ما يلاحظه المرء من جهود جبارة وأعمال عظيمة في التوسعات ودقة وجمال التصميم، ولكن يقابل ذلك تدنٍ في الإدارة، وأثناء مكوثي لمدة أسبوع لم أشاهد أي مسئول يقوم بتفقد الحرم والتجول فيه ومشاهدة الوضع على الطبيعة، وأن اعتماد معالي الرئيس العام على ما يُنقل له لن يعدل في الوضع شيئاً، وعلى مقولة إخواننا المصريين «كله تمام يا أفندم»، وأنا أتذكر ما كان يقوم به معالي الشيخ صالح الحصين - رحمه الله -حينما كان رئيساً للحرمين بقيامه بالصلاة كل مغرب والمكوث إلى صلاة العشاء في الصحن بين بابي الملك عبد العزيز، والملك فهد بدون أبهة أو علامات ظاهرة تدل عليه، بل كان ببساطته المعروفة ويقف على ما يدور بنفسه بدون وسيط ويتحاور مع الزوار والمعتمرين بكل لطف وأريحية، حيث كانت نتائج الخدمات المقدمة تسر الجميع، ولمعالي الشيخ الدكتور السديس - حفظه الله - تجربة في هذا المجال، فعند تعيينه إماماً للحرم كان يجلس بعد صلاة المغرب إلى العشاء في الصحن ويفتي للناس ويسمع منهم ويسمعون منه، فلماذا لا يعيد هذه السنّة الحسنة، وأن ما أخشاه أن يفقد الشيخ - حفظه الله - رصيده من الحب والمجد والتقدير في قلوب الملايين من بعض التصرفات التي تُرتكب من منسوبي الحرم، ولقد سمعت بدعوات والتحسب من كثير من زوار المسجد الحرام على بعض الآجرات غير الجيدة، وسوف أستعرضها بعد قليل، وإنه من المؤسف حقاً أن تذهب جهود الدولة الجبارة واهتمامها وعنايتها وبذلها بتصرفات رعناء لأناس عديمي المعرفة والتعلُّم والدراية، وعلى معاليالرئيس الاستعانة بكل قوي أمين لا تأخذه في الحق لومة لائم، والاستعانة بأهل التخصص والدراية والعلم والتمكُّن ليكونوا نواباً لمعاليه أمثال أصحاب المعالي الدكاترة عبد الله العثمان مدير جامعة الملك سعود سابقاً، أو نائبي وزير التعليم العالي سابقاً العطية والسيف وغيرهما من أبناء هذا الوطن المعطاء، سيضفي لإدارة الحرمين تميزاً وتألقاً.
ومن الملاحظات التي يجب الالتفات لها النظافة في الحرم، فهي متدنية والفرش متسخ والذباب منتشر ولأول مرة ومن أزمنة طويلة أشاهد القطط - أعزكم الله - تتجول في الحرم وتتبوَّل على الفرش وتصول وتجول، وفي اعتقادي لا يكثر الذباب وتحضر القطط إلا من سوء النظافة، ومما تشاهده حول أعمدة توسعة الملك فهد من أمتعة المعتمرين تتخيل أنك في منزل ولست في مسجد، وما تراه بعد كل صلاة من كثرة النائمين وما يحدثونه من مضايقات للتالين فحدث ولا حرج، أما الأكل وما أدراك ما الأكل والنعم التي تهدر وما تحدثه من أوساخ وتطاير للكأسات والأوراق وتدفق الشاي والقهوة وبقايا الفتات على الفرش والبلاط، مما يزعج المصلين ويُوسخ ملابسهم وما ندري ما الحكمة من السماح بدخول الأكل والمشروبات وبكميات هائلة للحرم، ولماذا لا تكون وجبة الإفطار حبيبات من التمر منزوعة النواء وشربة من ماء زمزم اتّباعاً للسنّة ونظافة للبيت الحرام، وما يلاقيه قاصدي بيته الحرام من قفل للأبواب وتحويل للمسارات ومضايقة، فهذا أمر لن تستغربه من كثرته وحدوثه بدون سبب ولا لضرورة، بل لتصرفات فردية لم تبن على أسس علمية، والمسلمون وقاصدو بيته يعرفون ينظمون أنفسهم، وإذا أردت أن تعرف ذلك، فانظر حين يقول الإمام: استووا اعتدلوا.. ولو تم تحويل الجهد المبذول في إدارة الحشود والمنع ومضايقة خلق الله إلى تنظيم العمل بالممرات وعدم الجلوس بها وتنظيم الصحن، لكان أولى وأجدر وما تقوم به الموظفات عند الأبواب من تفتيش الداخلات للمسجد يحدث مضايقات ووقوف النساء في طريق الرجال، فإما يكون التفتيش بعيداً عن الأبواب أو يكون هناك أبواب مخصصة للنساء، كما أن «الرنبات» الحديدية الموضوعة في مداخل الأبواب تسبب تعثر الداخلين فلماذا لا يكون كامل المدخل «رنب» ولا يُجزأ «رنب» ودرج، وإذا كان المسجد لا يعمل بكامل طاقته وعجز القائمون عليه من إدارته، فكيف بعد تضاعف المساحات وزيادة المرتادين.. إن المسجد الحرام والمسجد النبوي لهما وضعهما الخاص والاهتمام من أعلى سلطة في البلد، ويجب أن يستشعر القائمون عليهما بعظم المسئولية وثقل الأمانة والعمل بما يوازي الاهتمام والصرف عليهما، وأن العمل تكليف وليس تشريفاً وأن لا مكان لمتهاون فيهما.
وفقَ الله الجميع لما يحب ويرضى، وجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والشكر والتقدير لـ»الجزيرة» على اهتمامها وتعاونها الدائم بما يخدم الصالح العام، وللجميع خالص التحية والتقدير.
عبد الرحمن بن محمد السلمان - سدير