لو كان للعنبِ اختيارُ مصيرِه
لاختارَ أن يَرِدَ الفناءَ عصيرا
في ثغرِ طفلٍ أو شفاهِ مليحةٍ
فيذوبَ في كنَفِ البهاءِ قريرا
وأبى التخمُّرَ في الدِّنانِ مُهَيَّأً
ليكونَ آخرُ عهدِه سِكّيرا!
* * *
لو كان للحجرِ اختيارُ مصيرِه
هل كان إلا أن يُشادَ قصورا؟
أو خُيّر الروضُ العجوزُ فهل يَرى
لهواه إلا أن يعودَ شَجِيرا؟
ظلّاً ينغِّمُ للسواقي حُلْمَها
وندىً يهيّئُ للسنا عصفورا
وزهورُه تختارُ ملءَ رفيفِها
أن تُصطَفى للغائبين عطورا
والغيثُ لا يختارُ إلا أن يُرى
نهَرًا، وإلا أن يحورَ غديرا
والصوتُ يختارُ الخلودَ مجسَّدًا
شعرًا بديوانِ المنى مسطورا
يشتاقُه الشادي، فيلثَمُ ثغرَه
وتَرٌ، وتبعثُه اللحونُ سفيرا
* * *
فإلامَ يا ابنَ الروحِ وجهُك باردٌ
يمشي على سِكَكِ الفراغِ كسيرا؟
فاخترْ إذا خُيّرتَ قنديلَ الضحى
تاجًا، وأنفاسَ العشيِّ سريرا
لا شيءَ تخسرُه، فوطِّئْ موعدًا
للضوءِ يعمرُ قلبَك المهجورا
الأرضُ للأضدادِ ظِئرٌ رائمٌ
ضمّتْ حدائقَ بهجةٍ وقبورا
إن شئتَ كنتَ حديقةً أو ملعبًا
أو مسجدًا يهبُ الفِجاجَ النورا
فكنِ انهمارًا في ضميرِ غمامةٍ
واهزِجْ لينبوعِ الحياةِ خريرا
ستظلُّ مائدةُ الندى أسطورةً
لمقامرٍ خاضَ الجمالَ ضريرا
- عبدالله بن سليم الرشيد