لما لسوق عكاظ من مكانة ثقافية قديمة نفخر بها، ولما له من مكانة معاصرة نفتخر ونعتز بها شاركت هذا العام 1436هـ - وهو في دورته التاسعة- بقصيدة لم تفز إذْ فازت قصيدة الشاعر العراقي هزبر محمود- فتمثلتُ مبتسماً مسليَّاً نفسي بقول الشاعر مع تصرُّف يسير:
إنِّما الرِّزقُ الذي أتبعه
يشبه الظلَّ الذي يمشي معي
لكنَّني بفوز الأستاذ هزبر لم أسمح للإحباط باقتناص قصيدتي ولم أسأم من صحبة هاجسي فأحببتُ نشرها هنا لثقتي في تكويني الشعري المواكب أحداث العصر فنَّاً ليس للفنٍّ فقط أولاً، ولثقتي في القائمين على إنجاح احتفال السوق المتميز ثانياً، وليعلم زملاؤنا الشعراء في الدول العربية أن الجائزة - أمام ميزان المفاضلة- ليست حكراً على الشعراء السعوديين فقط ثالثاً، ولأشجع من شاركوا ولم تفز قصائدهم بالنشر في هذا المنبر الورقي المتفرد بنشر الفصيح بدون تحيِّز ولا مجاملة رابعا، أما القصيدة - لمحبي الاطلاع- فهي.. مِنْ زيتِ الصَّراحة.
كفى حطِّمِ الأقداحَ والرَّاحَ يا صاحِي
أمَا حانَ إجلاءُ الظَّلامِ بإصْبَاحِ؟
سأنفُضُ ما أبلى به الَّلهوُ مقعَدي
لأُشعِلَ من زيتِ الصَّراحةِ مِصْباحي
وأحرِقَ ألواحي التي صاغَها الونى
لترْسمَ كفُّ الشَّمسِ للكونِ [ألواحي]
فيا نفسُ عن مُخزِي الكرام ترفَّعي
وعن غَفْلةِ الَّلاهين يا قلبيَ انزاحِ
أخالُ عيون الكونِ تذْرفُ وابلاٌ
على كلِّ حيٍّ ترتجي صِدْقَ إصلاح
وتغسِلُ كفَّيْها من السِّلْمِ جهرةً
حياةٌ كأنَّ الخيرَ من غيرِ صدَّاحِ!
تفتَّقتِ الدِّنيا حروباً بلا رؤى
فما سئِمتْ فتْكاً ولا همْسَ قدَّاحِ؟
هلاكٌ وتشْريدٌ وهدْمٌ لِقصَّةٍ
بلا مُخْرجٍ يُنهِي الهمومَ وصَفَّاحِ
إلامَ صفاءُ الحبِّ يشكو تحَزُّباً
يُدِيلُ من الأوهامِ أشباهَ أشبَاحِ؟
لقد حاكتِ الأطماعُ منهمْ تأسْلُماً
وأفكارُهمْ ضلَّتْ بغاياتِ [إطلاح[1]
فأفتوا بلا علمٍ وثاروا بلا حِجى
لِهدْمِ حضاراتٍ وإزْهَاقِ أرواحِ
يُقالُ بأنَّ النَّهجَ نهْجُ خوارجٍ
فقلتُ كفانا الله من شرِّ سفَّاحِ
أليس كتابُ الله بينا وسنةٌ
تعزُّ بإجلالٍ وتسمو بإفْصَاحِ؟
فلو أنَّهمْ للخير يدعون ما نأوا
عن الخير في وادٍ من الشرِّ جَمَّاح!
ولو أنَّهمْ بالخيرِ يسعون ما بَدَتْ
حروبُهمُ الشَّنعاءُ من غير أرباح!
ولو أنَّهمْ بالخيرِ يُهْدَوْن ما غدتْ
مذاهبُهم شتَّى بزيْغٍ وجنَّاح!
أبانوا شعارَ السِّلم بغياً ليسْلُكوا
طرائقَ إرهابٍ تَصُمُّ عن الَّلاحي
فمأواهُمُ ينداحُ من غير صَحْوةٍ
ومركبُهمْ من غير مرْسى وملاَّح!
إذا هاجموا الأمنَ البريءَ فلمْ يروا
مصارعَهم إلاَّ مواسمَ أفراح!
عجبتُ لهم أنْ يأنسوا لشقائِهم
ومجروحُهمْ للإثم يسعى كجرَّاح!
بغير دمِ الإنسان تمضي حياتُهم
وإسراعُهمْ للخُسْرِ من غير صَحْصَاح
مطامعُ صهيونٍ وفحوى خوارجٍ
وتأويلُ محتالٍ وخلْسةُ مزَّاح
بهمْ صارتِ الدُّنيا قتيلاً وقاتلاً
وإذْلالَ ألبابٍ بتلفيقِ نبَّاحِ
ألا ليت جيشَ الخيرِ صفٌّ مُعزَّزٌ
ليرتاحَ من في الخَلْقِ ليس بمُرْتَاحِ
تموجُ نياتُ العابثين تجَبُّراً
فلم يُثنِها وعْيٌ ولا دحْضُ أوْضَاحِ
كأنَّ سيوفَ الحقِّ من غير قبْضةٍ
وعزَّتَهُ في الأفْقِ من غير مفتاح!
إلى المَجْدِ دربٌ واحدٌ ليتَ أهلَه
يسيرون جسماً أُسوةً بالسَّنى [الماحي] [2]
وللفخر مرقى ليس إلا، ألمْ يصحْ
مضيِّعُه بعْدَ السُّموِّ بلفَّاح؟
فأكرِمْ بساعٍ للسَّعادةِ باسماً
وأكرمٍ بنهجٍ مُظهراً منطقَ [الواحي] [3]
وأكرمْ بعقلٍ ما سعى بِتقوُّلٍ
بخَطوةِ إرهابٍ ولا دَجْلِ شرَّاحِ
* * *
إلى اللهِ نشكو من طموحٍ مُلوَّثٍ
بزلاَّتِ أحقادٍ وآمالِ أوقاحِ
ولله نشكو من تفرُّقِ أمَّةٍ
لَوِ اتَّحدَتْ لم يستمرْ جورُ مُجْتاح
هنا تنحَنِي كلُّ النواحي تقرُّباً
وتسمو مزايا يستنيرُ بها الصَّاحي
لَوِ استمَعتْ كلُّ الجهاتِ إلى هنا
لأصبحَ سِلْمُ الكون يزهو بمُنداحِ
وصار شقاقُ النَّاسِ حبَّاً وأُلْفةً
ويسلون حتَّى لو أُصِيبُوا بأتراحِ
لنا في الحِمَى حَزْمٌ يثور عواصفاً
ومنهَجُ جبَّارٍ وإقدامُ طِرْمَاح [4]
إذا قيل.. سلمانٌ تلفَّتَ مُصْغياً
له الكونُ..خابَ الظُّلمُ من بأْسِِ صَيْدَاح [5]
** ** **
الهامش
1- من أطلح بعيره أي أتعبه، فلكم صبر وتحمل ذوو الألباب والحكمة من ذوي الطيش والسَّفه والتَّجبر
2- الماحي اسم من أسماء المصطفى صلى الله عليه وسلم
3- اسم فاعل من الفعل وحى بمعنى أشار
4- عالي النَّسب
5- بالغ الصِّيت
- منصور دماس مذكور
dammasmm@gmail.com