قرأتُ الخبر الذي نشرته (الجزيرة) في محليات يوم 6-9-1436هـ، نقلاً عن وكالة الأنباء السعودية، عن مكتبة عبدالله بن العباس - رضي الله عنهما - وفي الخبر: (مكتبة مسجد عبدالله بن العباس تُعدُّ من المكتبات المتخصصة في مجال الفقه وأصوله، إذ تضم في أركانها مجموعة من نوادر المؤلفات والكتب والمخطوطات الإسلامية، وقطعاً أثرية ونقوشاً حجرية، تعود إلى أكثر 900 عام مضى. وتزامن إنشاء هذه المكتبة مع إنشاء مسجد حبر الأمة الصحابي الجليل عبدالله بن العباس الذي بنته ثقيف في المكان الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء حصاره لأهل الطائف السنة الثامنة للهجرة).. إلى آخره. إن المعلومات التي نقلتها (واس) عن المكتبة وعن مسجد الصحابي الجليل عبدالله بن العباس، تستحق التعقيب.. ولكن التعقيب سيكون مقصوراً على أهمية العناية باختيار الموقع المناسب، الذي ستقام عليه المكتبة، من حيث السعة في المكان، وتطبيق الشروط والمواصفات المطلوبة أو المقررة لإقامة المكتبات. إن المثقفين الذين هم على علم بالمؤلفات التي تضمها جنبات المكتبة، إذا أتوا إلى مدينة الطائف لعمل أو زيارة، فإن أول برنامجهم هو زيارة المكتبة والتمتع بقراءة الكتب الإسلامية أو التاريخية أو الأدبية، التي لا يحصلون عليها في المكتبات الأخرى. يقول الدكتور ناصر محمد السويدان في مقال نشرته (الجزيرة) في عددها 5086 وتاريخ 27-12-1406هـ يحث فيه وزارة الحج والأوقاف سابقاً، أن تبادر بفتح أبواب المكتبة في الفترة المسائية: (وقد تعودت أن أقضي وقتاً ممتعاً في هذه المكتبة، حينما كنت في إجازة ضيفية منذ سنوات، وكانت المكتبة مفتوحة الأبواب على فترتين، الأولى صباحية والأخرى مسائية.. وكانت الفترة المسائية فرصة للقراء والباحثين الذين لا يتمكنون من المكتبة في الفترة الصباحية. أما في الوقت الحاضر، فإن المكتبة تفتح في الفترة الصباحية فقط.. وهذا يعني عدم تمكن الموظفين والطلاب وغيرهم من الاستفادة من المكتبة، لأنهم مشغولون بأعمالهم في الصباح) ا.هـ.
وفي مقالين نشرتهما (الندوة) لأول يوم 8-6-1406هـ والآخر يوم 25-2-1409هـ أشرتُ إلى ضرورة النظر في موقع مبنى المواضئ ودورة المياه، وإزالته من واجهة الجامع والمكتبة، ذلك أن المبنى حجب واجهة المكتبة من الجهة الشرقية، ومن ثم إقامته في الساحة التي يطلق عليها الأهالي (برحة ابن العباس).
والسؤال.. ما الحل للارتقاء بالمكتبة إلى مستوى المكتبات الكبيرة.. الحل هو في نقلها من موقعها الحالي واختيار الموقع الواسع لها ولروادها من القراء والباحثين، وهذا الموقع المناسب يسره الله تعالى في مساحة الأرض الحكومية الكبيرة والواسعة المعروفة بأرض السليمانية والتي لا يفصلها عن المسجد الجامع سوى الشارع.. وقد سبق لبعض الإدارات الحكومية الحصول على مساحات من الأرض المذكورة وأقامت مبانيها عليها قبل إنشاء المجمع الحكومي، وأعيد القول.. إذا أُريد لمكتبة ابن العباس التطور والتوسع والارتقاء والوصول إلى المستوى الكبير الذي وصلت إليه المكتبات في المدن الكبرى، فإنه ينبغي المبادرة بنقلها إلى الأرض الحكومية الواسعة المعروفة بأرض السليمانية، وإقامة المبنى على المساحة المخصصة للمكتبة. إن مكتبة الحرم المكي الشريف، جرى نقلها من الحرم إلى الجهة الجنوبية المقابلة لباب الملك عبدالعزيز، ولكن مشروع التوسعة شملها، فتم نقلها إلى حي العزيزية، وبحكم ارتباطها التاريخي بالحرم المكي الشريف، فإنها ستعود بتوفيق الله إلى القرب من المسجد الحرام. ومكتبة ابن العباس التي أُنشئت في الزمن الذي أُنشئ فيه المسجد الجامع، ينبغي أن تكون بجواره سواء بقي المسجد الجامع على بنائه الحالي أو تم تجديد وتوسعته.
إن نقل المكتبة والحصول على مساحة من أرض السليمانية من أجل إقامة مبنى المكتبة عليها، ينبغي أن يهتم به ويتولاه مبدئياً المهتمون بنشر العلم والوعي والثقافة من رجال الأدب والتاريخ والثقافة بمدينة الطائف قبل غيرهم. ولعل أفضل ما أختم به المقال هو الإشارة إلى الذكاء النادر الذي وهبه الله لحبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - والذي ارتبط اسمه واسم والده بالمسجد والمكتبة بعد وفاته بالطائف عام 68هـ.
روى الأغاني للأصفهاني والكامل للمبرد، أن نافع بن الأزرق رَأْسُ فِرقَة الأزارقة من الخوارج وناسٌ من الخوارج، أتوا عبدالله بن العباس بمجلسه بمكة، فأكثروا من الأسئلة فجعل ابن الأزرق يسائله حتى أملَّه، فجعل ابن العباس يُظْهِر الضجر.. فأقبل عمر بن ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين حتى دخل وسلَّم فجلس.. فقال له ابن العباس أنشدنا فأنشد:
آمِن آلِ نُعْم أنت غاد فمُبْكِرُ
غداة غد أم رائحٌ فمُهَجِّرُ
حتى آخر القصيدة. فأقبل عيه نافع بن الأزرق فقال: الله يا بن عباس! إنَّا نضربُ إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد، نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنَّا!.. ويأتيك غلام مترف من مترفي قريش فينشدك:
رأتْ رجُلاً إمَّا إذا الشمس عارضت
فيخزى وأمَّا بالعشيِّ فيخْسَرُ
فقال ابن العباس.. ليس هكذا قال. فقال ابن الأزرق فكيف قال؟ فقال ابن العباس:
رأت رجلاً أمَّا إذا الشمسُ عارضتْ
فيضحى، وأما بالعشي فيخْصَرُ
فقال ابن الأزرق: ما أراك إلا وقد حفظت البيت! فقال: أجل! وإن شئت أنشدك القصيدة أنشدتُك إياها. فقال ابن الأزرق فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها وهي ثمنون بيتاً، فقال بعضهم ما رأيت أذكى منك قط، فقال: ما رأيت أذكى من علي بن أبي طالب. أما لفظ الكامل.. ما رأيت أروى منك، فقال له ابن العباس.. ما رأيت أروى من عمر ولا أعلم من علي.
وفي رواية الأغاني.. أنشدها ابن العباس من أولها إلى آخرها، ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، وما سمعها قط إلا تلك المرَّة، مما يدل على غاية الذكاء. وكان ابن العباس يقول: ما سمعتُ شيئاً قط إلا رويتُه.. وإني لأسمع صوت النائحة فأسُدُّ أُذُنَيَّ كراهة أن أحفظ ما تقول.
- فاضل أحمد الحارثي