بندر عبد الله السنيدي ">
اختلف الذئب مع الحمار, ولن أقول أكرمك الله أيها القارئ الكريم لذكر اسم الحمار في هذ السياق كما يفعل الكثيرون مستشهداً بأن القرآن ذكر (بضم الذال) فيه اسم الحمار, اختلفوا ذات يوم عن لون العشب فقال الحمار لون العشب أصفر لكن الذئب قال لون العشب أخضر، واختلفا كثيرا ولم يصلا إلى حل وأخيرا قررا أن يتحاكما إلى ملك الغابة.
بدأت المحاكمة وكل أدلى بحجته وعند إصدار الحكم التف الجميع لسماع العدالة وإذا بالأسد خيب الآمال الحاضرين بجلسة الحكم النهائي، فقد حكم على الذئب بالسجن لمدة شهر واحد وحكم ببراءة الحمار.
استنكر الذئب وقال سيدي أليس لون العشب أخضر؟ فقال الأسد: بلى، قال الذئب إذاً لماذا حكمت علي بالسجن وأنا لم أخطئ الرأي؟ فقال الأسد صحيح أنك لم تخطئ الرأى لكنك أخطأت عندما جادلت الحمار على مسألة كهذه؟ لذلك أمرت بسجنك لكي تعتبر ولا تجادل من لا يستوعب ولا يفهم وليس بأهل لذلك.
من هذه القصة التي ربما تكون من الخيال يبرز فائدة نحن بأمسّ الحاجة إليها، خصوصا هذه الأيام العصيبة التي تمر فيها منطقتنا العربية وكثير من دولها بصراعات دينية وطائفية وعصبية هي تكمن بالتالي: لا تجادل من هو أسير العصبية والطائفية والحزبية والجهل لأنك لن تخرج بنتيجة، خاصة في هذه الأيام من المعلوم أن الخلاف في الرأي نتيجة طبيعية تبعاً: لاختلاف الأفهام وتباين العقول وتمايز مستويات التفكير، ومن المؤكد أنه لأمر غير طبيعي أن يكون خلافنا في الرأي بوابة للخصومات ومفتاحاً للعداوات، شرارةً توقد نارَ القطيعة والبغضاء والضغينة والتدمير لأخضر واليابس.
العقلاء ما زالوا يختلفون ويتحاورون في حدود العقل دون أن تصل آثار خلافهم لحدود أكبر مما هو متوقع، بل قد يكون ذلك سبباً مفرحاً للعدو.
والعقلاء فهم يدركون تمام الإدراك أن الناس لا بد أن يختلفوا، ويؤمنوا بكل يقين أنه {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.
ألا نُحسن أن نكون إخواناً حتى لو لم نتفق؟ كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله إن اختلافي معك يا أخي، لا يعني أنني أكرهك، أو أحتقر عقلك، أو أزدري رأيك. أحبك يا أخي، ولو بقينا الدهر كله مختلفين في الرأي. واختلافي معك لا يبيح عرضي، ولا يحل لك غيبتي ولا يجيز معاداتي ومحاربتي، فالناس عند الخلاف ثلاثة أصناف: إن لم تكن معي، فلا يعني أنك ضدي، وهو منطق العقلاء أو إن لم تكن معي، فأنت ضدي، وهذا نهج الحمقى المغفلون. أو إن لم تكن معي، فأنت ضد الله! وهذا سبيل المتطرفين. ليتنا نعي أن الآراء يا إخوان للعرض ليست للفرض، وللإعلام ليست للإلزام، وللتكامل ليست للتخاصم.
ختاماً: عندما نحسن كيف نختلف سنحسن كيف نتطور. بعضنا يتقن (أدب الخلاف والبعض الآخر يهوى خلاف الأدب! اللهم ارزقنا الحلم وسعة الصدر والخلاص من التعصب وضيق الأفق إنك حليم كريم.