إبراهيم الطاسان ">
منذ مؤتمر سايكس بيكو عام 1915م بين فرنسا وبريطانيا ومصادقة الإمبراطورية الروسية أثناء الحرب العالمية الأولى التي رسمت خارطة التقسيم السياسي لجغرافية الوطن العربي بما سمي آنذاك (ارث الرجل المريض). رغم أنه قد فضح أمر هذه الاتفاقية بعد الثورة الشيوعية على الإمبراطورية الروسية عام 1917م، فقد وافقت الدول التي تداعت إلى مؤتمر الصلح الذي عقده في باريس عام 1919م على إنشاء منظمة عصبة الأمم لغرض حفظ السلام ولأمن الدوليين، بالقيام بحل النزاعات والمشاكل الناشئة بين الدول (أهداف سامية) من خلال مجلس العصبة الذي يماثل في سلطاته وهيكلته الإجرائية مجلس الأمن.
ولأن عصبة الأمم سيئة من سيئات المنتصرين في الحرب العالمية الأولى رغم أهدافها المعلنة السامية، فقد قامت الحرب العالمية الثانية على أنقاض تلك الأهداف، ذلك أن الأربعة الكبار آنذاك وهم: رئيس الولايات المتحدة ويلسون، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، ورئيس وزراء إيطاليا فيتوريو ايمانويل. التقوا أكثر من مرة وصاغوا أهم بنود ميثاق عصبة الأمم التي تخدم مصالحهم دون مراعاة لمصالح الآخرين، وبسلطان المنتصر أرغموا الآخرين على التوقيع على الميثاق الذي من بين مواده نظام الوصاية. ونظام الوصاية هذا أنشئ ليخدم غاية ما تمخض عن مؤتمر سايكس بيكو.
ولأن تلك الأهداف السامية لم تكن من الغايات الحقيقية لمن اتفقوا عليها، ونتيجة لاضطراب العلاقات الدولية التى تلت قيام عصبة الأمم قامت الحرب العالمية الثانية لتطلق رصاصة الرحمة على عصبة الأمم، و(ما أشبه الليلة بالبارحة) هكذا تقول العرب، من رحم الحرب العالمية الثانية التي بدأت في 1/ سبتمرعام 1939م واستمرت ست سنوات حتى 2/سبتمبر1945م ولدت هيئة الأمم المتحدة التى ولدت في26/ أكتوبر عام 1945 فى مدينة سان فرانسيسكو فكان بين إعلان وقف الحرب وميلاد ميثاق الأمم المتحدة فقط 54 يوما، ورغم أن ميثاقها نص على نفس المبادئ السامية التي نص عليها ميثاق عصبة الأمم، ومضيفا عليه أنها مفتوحة أمام جميع الدول المحبة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، نجد اليوم أن عدد الدول الواقعة ضمن جمعيتها العمومية 193دولة، ومع هذا العدد لم يتغير نمط السلوك الدبلوماسي داخل مجلس الأمن أو الجمعية العمومية والهيئات المنبثقة عن الأمم المتحدة، فالوصاية المفرد لها باب خاص بالميثاق.
انتهى تطبيقا لانفكاك الدول والكيانات من سلطان المستعمر، ولكن معنى الوصاية بقي وأصبح أعم وأشمل، ويتمثل بقاؤه وشموليته في وصاية الدول الكبرى المتمتعة بحق النقض بالهيمنة على إرادة تنفيذ قرارات مجلس الأمن، فعدم توفر الإرادة وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية شكل وصاية على كل قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية في كل ما يخص حقوق الفلسطينيين، وهى نفس الإرادة وربما لأكثر من طرف فيما يخص تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 لعام 2015م فيما يخص اليمن، وحينما تحول هيمنة أي من الدول الكبرى دون تنفيذ قرارات مجلس الأمن، إنما تهيمن على حقوق الدول والشعوب التي انضوت تحت ظل ضمانة التزام الميثاق لكل من اكتسب صفة العضوية القيام بالتزاماته بموجب الميثاق، وفق المادة 2 فقرة 2» لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعا الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم في هذا الميثاق» إلا أن واقع الحال أن الدول الكبرى بممارساتها الدبلوماسية اختصت نفسها بحقوق ومزايا تمثلت في تفعيل إرادتها بتفعيل أو تعطيل قرارات مجلس الأمن، ولا أدل عليه مما ذكر عن الحقوق الفلسطينية، وقرار مجلس الأمن 2216 لعام 2015 فيما يخص اليمن.
وأمام هذه الهيمنة، لذلك أصبحت منظمة الأمم المتحدة عاجزة عن تحقيق أهدافها السامية، فقد كانت رؤية المملكة العربية السعودية باعتذارها عن عضويتها الدورية في مجلس الأمن رؤية عميقة مدركة، فلم ترض لنفسها أن تكون شاهد زور على قرارات تهيمن عليها إرادة بعض الدول الكبرى فى مجلس الأمن، وما أرى أن عاصفة الحزم، ومن ثم عاصفة الأمل إلا نتاج تلك الرؤية المتجلية، وهي رؤية محمودة مؤيدة بنصر الله إن شاء الله.