رمضان جريدي العنزي ">
يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية أكتب إليك بعد أن زرت هذا العيد الحدود الشمالية لثلاثة أيام متتالية، ابتدأتها من شعبة نصاب مروراً برفحاء والعويقيلة وحزم الجلاميد وحتى طريف ومابين تلك المدن من قرى وهجر، لم أشأ الكتابة إليك مباشرة، لكن هذه الزيارة عبأت روحي لمثل هذه الكتابة، أعرف سلفاً بأنك تخطط للنهوض بهذه المنطقة، وبأشجارها وشوارعها ودروبها ومداخلها وبيوتها، وأنك تريد أن تملأها بالمصانع والمعاهد والإنتاج والخضرة والحديقة والضوء والنور والنوافير الملونة، وأن تجعل القمر يجثو بجانبها، والنجوم فوانيس عشق لها، والغيوم ظلالها، وهفيف الأنسام يعبر جسدها، وروائحها زكية تنثال من هنا وهناك، والناس يزورونها ويمشون بها للمؤانسة والمسرة، كي تصفو الحياة فيها أكثر، إن الناس يا سمو الأمير في الشمال هناك مبتهجون فيك كثيراً، لأن سلالك ملأى بالخير، وسواقيك عامرة بالماء، وأنك ستضيء المكان، وستعطي الحجر والرصيف لونه الذهبي الشفيف، لأن وجهك رضي، والناس يتمنون منك الكثير والمزيد.
يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية، سألتفت لك بكليتي الكاملة، سأستدير نحوك تماماً، وسأقول لك بوضوح شديد غير ملون، وإن أردتني أدنو إليك سأدنو، دونما أبطئ، ودونما التفات، وحتماً سأزورك حينما تحط رحالك هناك، يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية أعرف جيداً بأنني مفتون بالشمال مكاناً، وتاريخاً، ومنزلة، وشأنا، ومعنى، وأني مندهش به، ومصاب بسحر مكانه الصحراوي ونرجسيته المتميزة، وهو عندي أشبه بالدوالي عناقاً وتعريشاً وتآخيا وهمساً وجمالاً، وهو عندي مثل المياه حين تمشي نحو مصباتها وفق خرير عذب، وأنه عندي مثل قصيدة حسناء، أعيتني، حيرتني، وعذبتني، فحضورها وغيابها من الأسرار العواصي، أحياناً تأتيني مثل سيل جارف، وأحياناً تنقطع عني مثل مطر حرون، وهو عندي مثل تحليقات طيور فوق ذؤابات الأشجار، ومثل ساقية متخفية بين الأعشاب والأشجار، وهو عندي مثل نثيث من رذاذ المطر الربيعي الخفيف، يهمي فوقنا فيبعث الانتباه والصحو فينا، ومثل هالات الضوء دوائر من نور مسه غبش طفيف، تحوم حوله طيور لا شغل لها سوى الرفرفة والزقزقة، ومثل شجيرات الورد والزيزفون وكروم العنب والشجيرات التي أشبه بالعرائش والأكواخ تتوازع المكان الفسيح وقد حاذى بعضها بعضا في قبب خضر تحركها الأنسام فتعلو وتنخفض مثل أردية عبتها الرياح، عنقي مشدود دائماً إلى هذا الشمال الساحر.
يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية، أعترف لك بصراحة تامة بأنني أحس أحياناً بأن قلبي يبكي، وعيني تدمع، حين أرى بعض المناطق الشمالية وكأنها مناطق مهملة منسية، وأن الغبار يعلوها، وأنت الذي تعرف بأننا نعيش عصر السرعة والسبق والتحرك الدؤوب، لذا فالشمال بحاجة إليك لكي توقظ النائمين عن العمل من سباتهم العميق، إننا نريد منك وأنت القدير على ذلك، أن ترسم لنا في الشمال خريطة مكانية وزمانية تعيد للمدن الشمالية زهوها وحسنها وهيبتها ورونقها، وأن توقف كل المناظر العبثية التي تخدش وجه المدن الشمالية الجميل البهي الحسن، إنني متعلق بهذه المدن كافة وخاصة عاصمتها الإدارية «عرعر»، وأدور حولها مثلما يدور الفراش حول الضوء، لهذا نريد أن نتساعد يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية في إنجاز المهمة، وأن نهيئ الشمال لأن يكون ساحراً ومتميزاً وفريداً فوق سحره وتميزه وتفرده، إننا يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية، شركاء كلنا في الشمال، كجزء هام من أجزاء وطننا السعودي الكبير، فيما نراه، ونسمعه، ونعيه، ونفكر به، وأنك لا تستطيع حمله لوحدك، أعرف ذلك بيقين تام، لهذا فأنا أمطرك برسالتي هذه كي أناصفك حملك وهمك وحلمك وتطلعك، أصارحك يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية، بأن فرحا داخلياً أمطر قلبي بك وبمجيئك، وأن الضوء والبهاء والحضور الأنيق سيصيب المدن الشمالية، وستكون قبلة الناس ومنتهاهم، وستتسربل بحرير الأساطير ومناخ الروعة، وتتوج بسحر المكان وشلالات الإبداع، وأن تكون مثل الوردة والعطر والمطر والمساء وهواء الربيع والنجوم الساكنة وبهاء الصباح والشمعة الموقدة وبرد الشتاء الخفيف والمرأة الفارعة الحسناء والجديلة الطويلة المخضبة بالعطر والحناء، وأن تكون مثل مواسم المطر وخيوط الشمس ورتل النجوم وامتداد البحر وبرق الأفق وسيل المياه وظل الشجر وطير الحمام ومثل شروق يعقبه قمر، هذا هو نزع حلمي وطموحي ومبتغاي ومرادي، لأني موبوء بهذه المدن، ولأنها أول عشقي وآخره، فهي المدن الأكثر حيوية وحياة ونضارة وتدفقا، هذا ليس ترفا بالحلم ولا بالمخيلة ولا مستحيلاً، إن للمدن الشمالية تأثيرات وانبعاثات تستطيع من خلالها أن تفرض نفسها بقوة، يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية إننا بحاجة إلى من يغسل وجه المدن الشمالية وينفض عنها غبار وتعب السنين والارتباك والعشوائية، الشمال بحاجة إلى من يبلله بالندى والعطر المميز ويرميه بالورد الأبيض والبنفسجدون إيذاء، وإلى من يرتب هدوءه ويخفف عنه الضجيج، الشمال بحاجة إلى من يعيد إليه وقاره وهيبته التي اختفت خلف فوضى الاجتهاد في مشاريع تتوقف طويلا عند منتصف الطريق دون اكتمال وإن اكتملت فهي كالجنين المشوه، الشمال بحاجة إلى نقلة نوعية طافحة بالإبداع والابتكار والاستحداث العاجل، من أجل أن نعيد إليه ملامحه الجميلة التي شوهته عشوائية المشاريع البطيئة وعشوائية العمل السيئ، المدن الشمالية يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية تعاني منذ حين من جراحات وتصدعات تشعرك بأن هناك خللا فادحا، وهذا الخلل يؤكده النقص الصريح بفقدان أغلب الإيقاعات الأساسية المتوفرة في أية مدن عصرية، إن الجرح الغائر الذي ينوء به جسد الشمال يتمثل بالدرجة الأساس في سيادة عبثية التخطيط وسوء التنفيذ، إننا نستطيع أن نقتفي آثار هذا العبث الممل من خلال المشاهدة اليومية التي نراها ونمر عليها ونشاهدها بحزن يشبه الرحيل المر، الشمال بكافة مدنه يستصرخك يا سمو الأمير لتزيل عنه تلك الهموم بلمسة إبداع وقطرات مطر وريحه عشب ندي، أن المدن الشمالية يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية تستحق أكثر مما هي عليه الآن، وأكثر مما هو في مخيلتنا من مفردات سحرية ومما في أفواهنا من قصائد غزل عذب ورقيق، إننا نريد أن نستيقظ ذات صباح ونرى المدن الشمالية وقد اكتست ملامح جديدة وأزالت عن وجهها كل التشوهات البشعة التي أصابتها بما يشبه لون الحريق، المدن الشمالية بحاجة إلى وقفة جادة ولمسة فذة من كل الأطراف لتعيد إليها ترتيب ملامحها وتلملم أطرافها التي تبعثرت بما يتناسب مع إرثها التاريخي العريق الشامخ، إننا نأمل أن تنفض عن جسد تلك المدن كل بصمات العمل العشوائي والمشاريع البطيئة التي تشبه سير السلحفاة العتيقة، يا سمو أمير منطقة الحدود الشمالية، لست دبوراً يحوم قرب فتحة الوكر، لكنها آمال وأحلام وتطلعات واقعية وددت أن أرفعها لك، لأنك القادر على إزاحة الإهمال وبناء المستقبل العامر البهي، لتصبح كافة المدن الشمالية مدنا حالمة ومتفوقة وخيالية وحالمة وأنيقة ولوحة سريالية يفسرها كل بطريقته وعقليته ومزاجه وتفكيره.