طوتك يا سعد أيام طوت أمما
كانوا فبانوا وفي الماضين معتبر
من سعادة الإنسان أن يوفق في بداية حياته الشبابية بالأخذ بيده وتوجيهه التوجيه الصحيح الأمثل إلى بر الأمان والصلاح، محذرا من رفاق السوء وما يترتب على مصاحبتهم من انحرافات وسوء عاقبة في قابل حياته، ولقد حذر الشاعر من الاختلاط بهم موضحاً أن الخلطة لها تأثيرها المؤكد في مسيرة حياة المرء:
ولا تركن إلى أهل الدنايا
فإن خلائق السفهاء تُعدي
وفي مثل هذه الحال نتذكر اختيار فضيلة قاضي الجوف العالم الزاهد الشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك لصديقي سعد بن محمد الحسين الذي انتقل إلى رحمة الله يوم الجمعة 23/ 9/ 1436هـ ليصحبه إلى مقر عمله الجديد هناك رغم حداثة سنه لما علم أنه قد أتم قراءة القرآن الكريم مٌتوسماً فيه الصلاح والرزانة، وحلو المنطق مؤملاً أن يحيا حياة سعيدة - فكان له ذلك - وقد اختاره ليقوم ببعض شؤونه الخاصة.. ولينضم إلى حلقات الذكر ومجالس الشيخ ضمن أقرانه من الطلبة لتلقي مبادئ العلم وحفظ كلام الله عن ظهر قلب، مع حفظ عدد من المتون مثل: كتاب التوحيد، متن ثلاثة الأصول، وكشف الشبهات، والعقيدة الواسطية، ومتن الأجرومية في النحو، ومتن الرحبية في علم الفرائض والمواريث، وبعض كتب السير والمطولات، وقد اشتهر فضيلة الشيخ فيصل بحرصه الشديد على غرس العقيدة الصحيحة والسنة السمحة في صدور النشء من الشباب ليكونوا قدوة و رجالا صالحين يستفيد منهم وطنهم، وهذا مما أثلج صدر جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حينما علم بنصح الشيخ - الذي يصر على محاربة الجهل عن وطنه وأبناء شعبه حيث عين عدداً من القضاة والمرشدين في المدن والقرى والهجر لتنويرهم وترسيخ أصول الدين في نفوسهم، كي يسود التعاطف والتآلف فيما بينهم، فمجلس الشيخ فيصل بمثابة المدرسة المضيئة علماً وفهماً في تبصيرهم بأمور دينهم، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:
ألا إن ليل الجهل أسود دامس
وإن نهار العلم أبيض شامس
وتشقى حياة مالها من مدرب
وتشقى بلاد ليس فيها مدارس
ومجالس العلماء وحلق العلم كلها خير وبركة منذ ذاك الزمن، والآن والحمد لله قد شملت المدارس والجامعات كل المستويات بنين وبنات أرجاء البلاد سهولها وروابيها، فاتسعت آفاق المعرفة لدى المواطنين علماً نافعاً وثقافات واسعة في شتى المجالات، ولقد ولد الصديق العزيز سعد بن محمد الحسين في حريملاء عام 1357هـ وترعرع في أحضان والديه مع إخوته، ودرس في إحدى الكتاب لتعلم الكتابة وقراءة القرآن الكريم حتى أتمه مع حفظ ما تيسر من قصار سور المفصل، وكان يحضر دروس فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعد قاضي حريملاء التي تُلقى داخل المسجد الجامع مما كان سبباً في تهيئته ليحيا حياة هانئة سعيدة، وصادف أن أمر جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - لتعيين الشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك قاضياً بمنطقة الجوف، فأخذه الشيخ فيصل معه -كما أسلفنا- ولما ترعرع وكبر وطال مكثه في الجوف استبد به الحنين إلى حريملاء مهوى رأسه، فطمع الشيخ فيه لما يتحلى به من حيوية واستقامة في دينه، فهو يعتبره في منزله الابن فزوجه إحدى بنات الجوف (أم عبدالعزيز) تكريماً وترغيباً ليبقى لديه، وقد أنجبت ذرية صالحة، وبعد وفاة الشيخ وعودته من منطقة الجوف عمل بوزارة الصحة، ثم بوزارة المواصلات، بعد ذلك انتقل إلى تعليم البنات بحريملاء حتى تقاعد، وكان محبوباً لدى أسرته ومجتمعه، محباً للرحلات والخلوات البرية مع رفاقه وأصحابه ميالاً للمرح والفكاهة منذ صغره، ولا زلت متذكراً بعض حركاته المقبولة التي تؤنسنا معشر الصغار:
ويا ظل الشباب وكنت تندى
على أفياء سرحتك السلام
ولي مع - أبي عبدالعزيز - بعض الذكريات الجميلة أثناء التقائنا بفضيلة الشيخ فيصل بالمنطقة الشرقية في أواخر عام 1370هـ وقت مراجعتنا لمستشفى أرامكو حيث كنا نتلقى العلاج معه ومع الزميل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان - رحمهم الله جميعاً - وكان الشيخ يعرض علينا تناول طعام الإفطار معه في أكثر من مرة في مقر إقامته هناك، وكان سعد ينتهز فرصة نوم الشيخ وراحته، فيذهب بنا على السيارة لبعض الأماكن مثل رأس تنورة ومدينة الخبر وبقيق وهذه من الذكريات الجميلة مع الجميع في تلك الفترة.
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وعقيلتيه وأسرته ومحبيه الصبر والسلوان.
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء