الجوهرة العنزي ">
تصدف بنا الأيام واللحظات ونقابلهم صدفة هم لا يعرفوننا ولا سبق أن التقيناهم، نتعامل معهم بطبيعتنا العفوية البحتة أو أنهم ممن نتعامل معهم بشكل يومي فلا نستطيع لبس الأقنعة لنعجبهم ولنحوز على رضاهم حين تجبرك الظروف على لقاء مثل هؤلاء عليك بلبس الأقنعة، حينما يفتقر من معك إلى خلق سوي وأدب جم.. عليك أن تكون مثله لأنه لا يفهم لغتك.
حين تتحاور معه بأسلوب ودي ونقاش عاقل فيقلب الطاولة عليك ويحوله إلى حلبة عراك حينها عليك بلبس الأقنعة هو لا يفهمك مهما اتخذت معه من أسلوب سوى شيء واحد وهو أن تتحدث بأسلوبه وتنتهج تفكيره وتمشي على خطاه فما عليك سوى لبس قناع لتستطيع أن تصل معه لنتيجة لكن هل يتوجب عليك فعل هذا.
عندما نبتلى بمثل هؤلاء الأشخاص ويعترضونك رغم تحاشيك لهم ألا يجدر أن تتكلم معهم بلغتهم لأنهم لا يفهمون أسلوبك، هم في الحقيقة غير مكافئين لك لا فكراً ولا منطقاً ولا أسلوباً، نراهم معنا في كل مكان في العمل.. في الشارع.. في أي مكان يكون لنا فيه معهم لقاء رغم رفضي لأن أغير من طريقتي وألبس قناعا حين أتعامل مع أحد، لكن ألا يتوجب علينا لبس الأقنعة لنكون أفضل معهم ومجاراتهم؟ في المصطلح العامي نستطيع أن نسميها (مجاملة) ربما بعضهم يظنها ضعفا وذلا من الآخر هي فلسفات كل حسب قناعته، لكن أليس شيئاً من المجاملة يسعد القلب ويلطف الأجواء ونكسب بها قلوبا. إذاً ما المانع في حفنة من الكلمات الرقيقة البسيطة نرشها كنوع من البهارات على تعاملاتنا دون أن نسبب أذى للآخرين. في تصوري وحسب تجربتي أن هذا شيء جميل ما لم يتعد الحدود. كنت في سنوات مضت من حياتي أتكلم ولا أهتم رضي من رضي وسخطَ من سخط، ولكني رأيت أنني بذلك أخسر الكثير ممن حولي ظناً منهم أني شخصية فَظة جافة لاآبه لمشاعر الآخرين، ورأيت ذاك النفور منهم رويداً رويداً، ومالبثت أن أدركت الحقيقة وبدأت أضيف شيئاً من البهارات الذكية لتعاملاتي مع الآخرين في غير ضعف ولا ذل.
أعتقد أن بعضهم يخالفني الرأي ويقول: إنها مداهنة أو محاباة اجتماعية وربما نفاق وغير ذلك من المسميات، لكن عندما نتكلم بشيء من الرقة واللطافة ومراعاة مشاعر الآخرين فمنهم الحساس ومنهم العاطفي ومنهم الحزين ومنهم المهموم ومنهم ومنهم.. لا هدف وراء ذلك سوى كسب القلوب على الخير والمحبة في الله وطبعاً كل هذا فيما لانحتاج كلمة حق. بل بعضهم لا يملك أدوات الحوار الإيجابي فبحفنة من البهارات للكلام أستطيع أن أكسبه وأحد من فظاظته وجهله وربما يكون أكثر استيعاباً وفهماً.
ولا نجامل على حساب مصلحة أو ظلم فرد أو فيما يتعرض لعقيدتنا، فمهما يكن علينا وضع حديثه صلى الله عليه وسلم أمام أعيننا فعن أبي هريرة رضي الله عنه {المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.} رواه مسلم. كانت نورة تتناوب مع المعلمات في إحضار القهوة صباحاً للمدرسة وبيتها قريب للمدرسة فاتفقت المعلمات أن تتكفل هي بإحضارها دون أن يعرفن رأيها أو وضعها وأبلغوها القرار وباسم الحياء والذوق وافقت على قرارهن وأخذت تحضرها وهي صامتة وتتكبد العناء في منزلها مع عائلتها وواجباتها الصباحية، يوماً ما مرضت وغابت عن المدرسة أسبوعا وانقطعت القهوة عن المعلمات وعندما حضرت لم تجد من تتحمد لها بالسلامة بل هاجمنها واتهمنها بالتقصير والإهمال واللامبالاة بحاجة زميلاتها للقهوة الصباحية وأخذن منها موقفا معاديا، والأغلبية قاطعنها لفترة. فهنا كان على نورة عمل موازنة ومعرفة متى تستخدم هذه الأقنعة ولا تجامل على حساب نفسها، فكان الأولى أن تخلع القناع وتعتذر لهن بعدم قدرتها على التكفل بالقهوة يومياً فالأقنعة تختلف باختلاف حاجتنا لها، فكم من موقف نمربه في حياتنا لا نحتاج لتلك الأقنعة التي ربما تسبب لنا المشاكل إن ارتديناها وأحياناً يُحتم علينا الموقف ارتداءها فهنا تكون البراعة في متى نستخدم الأقنعة.
أحياناً يكون القناع من نوع آخر وهو عدم المجاملة تعاملهم بأسلوبهم.. بهويتهم.. بطريقتهم التي يفهمها الأشخاص الذين يعترضون حياتك، والمواقف كثيرة ولا أعتقد أن أحدا يخلو من التعرض ربما اليومي لها في جميع أمور حياته.
فمثل هؤلاء قناع المجاملة لا يجدي نفعاً معهم فلابد أن أرتدي قناعهم حتى أصل معهم لنتيجة إن لم أستطع تجنبهم ومواقف حياتنا كثيرة وهذا غيضٌ من فيض. فيجدر بنا أحبتي أن نتقن مهارة ارتداء تلك الأقنعة أو نزعها في حال حاجتنا لها.