كنت قبل أسابيع في دبي للمشاركة في ندوة نظمتها كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، وهي من الكليات العريقة التي خدمت العلم الشرعي والعلوم العربية في مرحلة البكالوريوس والماجستير على وجه جميل وبذل لله وتشجيع لطلبته جزاهم الله خيراً. وعلى هامش الندوة زرنا مركز المخطوطات والتقينا بمؤسسه ومؤسس الكلية وداعمهما الشيخ الفاضل (جمعة الماجد)، كانت الندوة رائعة، وكان تنظيمها نموذجاً للتنظيم المثمر للندوات، وكانت الكلية وما تقدمه نموذجاً هو الآخر لتقريب العلم لطلبته، وكان مركز المخطوطات ختام المسك الذي بهرنا بما فيه؛ ولكن في الحقيقة كان اللافت للنظر هو تلك الشخصية التي وظفت المال في المجال العلمي بشكل مؤسسي. فهو ممن أنعم الله عليه فتخصص في مجال التعليم ومجالٍ آخر مرتبط بالتعليم يُعد الأبرز والأشهر وهو مجال المخطوطات، حيث لا تذكر المخطوطات في هذا العصر إلا ويذكر (جمعة الماجد)، فقد أنشأ منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً مركزاً لتحقيق المخطوطات هو الأول في الشرق الأوسط وربما في العالم. إنه مركز متميز بحق حيث عنايته بالمخطوطات تفوق الوصف في البحث عنها وتتبعها واقتنائها أو تصوير ما لا يمكن اقتناؤه ، ناهيك عن أعمال الصيانة والترميم حتى للمخطوطات في مكتباتها الأصلية ، وفهرسة كل ذلك وفق أرقى أنظمة الفهرسة، وإتاحة المخطوط لطالبه في مشارق الأرض ومغاربها .. إلى غير ذلك مما لا يسع المجال لتفصيله، كم نحن بحاجة إلى نماذج من (جمعة الماجد) ليستثمروا في العلم، حيث الاستثمار في الإنسان ولاسيّما في تأصيل العلم الشرعي والوعي السني الذي أدركنا الآن حاجتنا إليه وتقصيرنا فيه، حيث اختطفت منا أجيال من تيارات واتجاهات. إنّ في الأمة أثرياء .. وإنّ فيها أوقافاً وموقفين.. فهل كان حظ التعليم منها بما يتناسب مع أهميته وعظيم أثره وتحقيقه لجميع ما في الحديث (صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح - وهم طلاب العلم - يدعون لمن أعانهم على العلم). وحيث عطفنا على الأوقاف فثم همسة لمن يقوم على تلك الأوقاف من موقفيها أو من عينهم الواقف، إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «حبّس الأصل وسبّل الثمرة « أي أنفق الريع والعائد والأرباح في مصارف الوقف ، وليس بتدويره مرة أخرى في الاستثمار، هذه هي القاعدة الأصلية في الوقف ، فالاستثمار ليس مقصوداً لذاته ولا يجوز بحال أن يطغى على مقاصد الوقف؛ وإنما يحسم من الريع أو الأرباح ما يحتاجهلوقف لصيانته وديمومته ، وهي نسبة يجب ألا تتعدى نسبة الزكاة (2.5 %) ، أو النسبة التي يحددها أهل الاختصاص وفقاً لغرض الصيانة واستمرار الوقف ليس أكثر من ذلك . وإني أخشى ممن يزيد النسبة أن يصحو يوماً فلا يجد الوقف ولا استثماراته قد حيل بينه وبينها.
أ. د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى - جامعة القصيم