مقاطع أنفاس البخور
عزاء
تمتد السيارات بطابور طويل.. السماء شبه غائمة.. يعلو ضجيج الأبواق.. السرادق المنصوبة تحكي قصة عزاء.. يغور في عمق التاريخ.. الحمامة التي مرت من فوق رأسي.. استقرت على عمود الكهرباء.. هديلها يكاد يسمع.. أحدهم في الطرف البعيد من الشارع الملتوي.. يحمل علماً ملوناً.. وعند انحدار الطريق نحو اليمين.. عجوز تبكي بحرقة لأنها أضاعت الأثر.
احتضار
كثُرت اثام التواصل ولم يبقَ غير الاستغفار سبيلا.. فكر بهذه الطريقة ريثما يبدد مشاعره المتشنجة.. في الخارج مكبرات الصوت تحمل له أهازيج حزينة.. المدينة تسهر على الرحيل لتبدد الوحشة.. وهو يحتضر امام شاشته الزرقاء.
بروق
يشتد البرد في أقاصي.. المدن المحاطة بعجلات الحرب.. ثمة نخلة تنزوي عند مفترق الطرق.. تنتظر خبراً يسقي ضلوعها لهفة عارمة.. المطر الهاطل لا يفرق بين السطوح.. لأن السعف المبلل يتماهى مع البرق في اكتشاف.. رغبة الحضور.
شرفات
ينحسر الظل ما بين نخلة الدار والباب الموارب.. الطائر الذي حّط على الجدار.. يتابع سرب النمل.. المتجمع على حبة القمح.. فراغ المساء.. يحصد شرفات أصص الزهر الغارق بالندى.. في المطبخ سيدتي تغسل الصحون.. وخيالها متأجج الصور.
رتابة
يمسح جبهته من العرق.. مازال الطريق طويلا.. السرادق الممتدة.. الأقدام المساقة بلا تردد.. أعلام بألوان مختلفة.. النداءات المستمرة والمتداخلة.. ترسم مشهداً متفاعلاً.. تبدو ملامحه ذات عزم.. توقف عند المنضدة المركونة بصورة توحي للقادم بأن الطعام متاح للجميع.. مضغ لقمته.. تحسس مفاصل قدميه.. رائحة العابرين ملأت رئتيه.. لم يثنهِ الوجع من المضي مندفعاً.. نحو سر داخلي يرتفع مع كل أذان.
ذهول
يزدحم الرصيف بالمارة.. البنايات نصف مضاءة.. وجود النساء ينحسر إلا من العجائز.. مترددات على العيادات الطبية.. مغروس في نصف عتمة.. ينتاب الحراس المدججون بالأسلحة موجة غضب.. سائق سيارة الأجرة يتوسل.. عند الصيدلية الأخيرة.. أتقيأ إحساساً ملتهباً.. ينفصل عني مجرى دم بملامح صاحبي المذهول.
- صالح جبار خلفاوي