د. عبدالرحمن الخميس يحاضر عن مواكبة الشعر السعودي لعاصفة الحزم ">
محمد صالح:
لم تكن عاصفة الحزم عاصفة على المستوى العسكري والسياسي، بل لها امتداد على المستوى الفكري والفني والثقافي، وقد رافق الشعر تلك العواصف المتعددة بعاصفة لا تقل حزماً عن غيرها، وقد احتضن نادي القصيم الأدبي محاضرة شاملة بعنوان: الشعر السعودي في مواكبة عاصفة الحزم، قدمها الدكتور عبدالرحمن بن صالح عبدالرحمن الخميس أستاذ الأدب والنقد المساعد في كلية العلوم والآداب بالرس - جامعة القصيم، طاف فيها في أكثر من ستين نصاً شعرياً من النصوص المنشورة خلال الصحف والمنتديات والمواقع الإلكترونية التي واكبت في انطلاقها انطلاق عاصفة الحزم، حضر الأمسية عدد من الأدباء والنقاد والمثقفين والمهتمين.
وفي الجلسة التي أدارها الأستاذ صالح العوض، مقدماً في بدايتها المحاضر الدكتور الخميس مبيناً شيئاً من سيرته العلمية والأكاديمية والإبداعية فهو عضو نادي القصيم الأدبي ورئيس اللجنة الثقافية في محافظة الرس ورئيس قسم التعليم الأساسي بكلية العلوم والآداب بمحافظة الرس، صدر له ديوان شعري بعنوان: كسور في جبيرة الصمت، وصدر له كتاب: خاتمة القصيدة في القرن الرابع الهجري، وكتاب جمالية خاتمة القصيدة دراسة أسلوبية، وله كتب وبحوث في طور الطباعة.
استثناء الحدثين الشعري والسياسي
وبيّن الأستاذ العوض في البداية أن هذه المحاضرة استثنائية باستثناء حدثها لارتباطها بعاصفة الحزم واسمها الذي انتظرها كثير من من سمت قلوبهم وسمت مشاعرهم لاستعادة شيء مما انتهك من حرماتهم وحقوقهم وسلب من مشاعرهم الذي لم تأبه لها بعض المنظمات الحقيقية والعالمية فكان أن هب سلمان الحزم بعاصفته التي جاءت في وقتها لتقول نحن أحق بحفظ حقوقنا وأحق بأن نقف في وجه كل من أراد استلاب حرماتنا أو انتهاكها.
الحراك النقدي والحراك الشعري في مواكبة أحداث الوطن
وفي بداية المحاضرة أوضح الدكتور عبدالرحمن الخميس أن ما سيقدمه سيكون إضافة للحراك الثقافي والأدبي في الوطن وإثراء للحراك النقدي والثقافي وربما يؤثر في فتح العلائق المعقدة بين الإبداع والمبدع والناقد والمجتمع والقضايا الحساسة والنظر إليها من زوايا عدة.
وأضاف: إن هذه المحاضرة تعد الأولى بحسب ما يعتقد التي ترصد حركة الشعر السعودي المواكب لعاصفة الحزم وقد يكون، ومردّ ذلك إلى أنّ العملية العسكرية وليدة الأشهر الأخيرة. وهو ما يجعل الحدود الفنية والمكانية والزمانية للمحاضرة محصورة في الشعر الذي ولد في المملكة العربية السعودية لسعوديين وغيرهم مواكبةً لعاصفة الحزم منذ بدئها إلى بُعيد الإعلان عن انتهائها أي مدة شهر تقريباً. وهذا يشكل صعوبة الظفر بالمادة التي تفرض تتبع المنتج الشعري في الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت.. وقد جمع ما يزيد على ستين قصيدة ومقطّعة. وتتّضح أهميته في محاولة استكشاف سمات ذلك الشعر في المضمون والفن ومدى مواكبته للخطاب السياسي.
مضامين عاصفة الشعر
وقد بيّن أنه يمكن محاورة ذلك المنتج الشعري في المضمون والفن. ففي المضمون يبدو استشعار العزة والقوة الذي عبر عنه الشعراء بمضامين متنوعة. منها على سبيل المثال الفخر برابطة الدين الحنيف كما عبر عن ذلك الشاعر: محمد الزيلعي بالقول:
كمْ من زمانٍ مضى بالعزّ ما خفقتْ
واليوم عادتْ لها أمجادُ ماضيها
ما حقّقت أمّة نصراً ولا صعَدتْ
إنْ لم تسطّرْ ملاحمَها بأيديها
وبيّن أنه مما يحقق الاستشعار بالعزة والقوة الإيمانُ بقضاء الله وقدره وبأنّ النصر حليف الذين على نهج رسوله عليه الصلاة والسلام كما أشار إلى ذلك رمضان زيدان في قوله:
ولينصرنّ اللهَ مَن نصرَ الهُدى
خبرٌ أتى في محكمِ القرآنِ
أما بعض الشعراء فقد استحضر سبب عاصفة الحزم وأنّها لله ولدينه وأذكى ذلك الشعورَ بالقوة، فوصفها علي طاهري بأنها غضبة لله، ورآها حمد الحكمي سلاماً لأهل الحق وعذاباً نزل على أهل الظلم والعدوان، ولم يكتفِ بعضهم بذلك بل ربط قوة العاصفة بكونها على الحق لا بكثرة دول التحالف ولفتَ موسى شافعي إلى أنّ خادم الحرمين الشريفين إنما يستمد قوته بالله مستحضراً قصة غزوة حنين حينما أعجب المسلمون بكثرتهم:
سلمانُ بالله لا بالجيش قاهرُكم
له بيومِ حنينٍ عبرةٌ وعُرى
وقد بين أن هذه المضامين قد استحضرت مفهوم الأمة وإعادة تجديدها كما في قول مسلم المالكي:
يا قائدَ العُربِ والإسلامِ أنت لها
وأنت غيثٌ على الإسلامِ ينهملُ..
أعدتَ للعُربِ في الميدانِ عزتَهم
صارت مواكبُهم بالنَّصرِ تكتحلُ..
الوحدة الوطنية
لقد بيّن الباحث أن الوحدة الوطنية أكثر ما تغنى بها الشعراء واستشعروا بها العزة والقوة دون أن يكون ثمة ما يعارض اعتزازَهم بالوحدة العربية والانتماء الديني في مفهومه الشامل. وقد عبّروا عن إحساسهم بهذا النوع من الوحدة بمضامين متنوعة وعلى رأسها تلك التي مدحوا بها خادم الحرمين الشريفين والجنود البواسل إذ ألبسوهم صفات الإخلاص لله والحكمة والشجاعة والدفاع عن الحق والنصرة.. وغيرها من المضامين التي ترجموا بها في الحقيقة مشاعر المجتمع بكل أطيافه واتجاهاته. فلا تخلو من ذكر الملك -حفظه الله- والإشادة بقراره الحكيم وصفاته النبيلة؛ وقد أوضح أن هذه ظاهرة تشير بوضوح إلى أنّ نظرة الشعراء إنما هي نظرة المجتمع عامة، فالقصائد لشباب وكبار ورجال ونساء وأكاديميين وغيرهم ومن مناطق عدة.. وليست محصورة على فئة دون أخرى وبالتالي فقصيدة عبدالمطلب النَّجْمي التي استهلها بقوله:
ألا يا أيّها الغالي.. وأغلى
ملأتَ جوانحي فخراً وفضلاً
وأسرجتَ العزيمةَ في دمائي
فجاوزتَ المجرّة، بل وأعلى..
وإنّك أيّها الوطنُ المفدّى
عصيّ، لستَ للباغين سهلا
كما قدم نماذج مماثلة لعدد من الشعراء الذين تغنوا بقوة وعزيمة القرار الشجاع لبدء العاصفة منطلقاً من الدين الحنيف كما عبّر علي الطاهري، وهند المطيري.. ولأن صفات الجنود من صفات قائدهم بَدَوا في الشعر السعودي ذوي قوة يعتدّ بها ويعتمد عليها ولا غرابة في ذلك فهم أبناء الملك الذي غذي بتعاليم الدين. وقد كرّر إبراهيم معافا هذه اللفتة الجميلة؛ تأكيداً على ما تحمله من دلالات:
أبْناءُ سلمانَ اكتبوا
تاريخَكم عبرَ الزمنْ..
أبْناءُ سلمانَ اعلموا
أنّ الجهادَ هوَ الثمنْ
وهذه الأوصاف تكرر عند شعراء آخرين من التغني بشجاعة المقاتلين كما جاء مثلا عند إبراهيم البَهْكَلي وغيره من الشعراء.
البيعة والشجاعة وإغاثة الملهوف
وأشار الباحث إلى ثلاثة أمور على قدر من الأهمية.. أولها: أنّ بيعة الإمام كانت إحدى الثوابت التي أكّد عليها بعض الشعراء إيماناً بأنّ التمسك بها أساس في الحفاظ على الوحدة الوطنية وأنّ المساس بها نذير خطير بزوالها وهذا هو السبب كما بدا له في إشارة بعض الشعراء إليها في ثنايا قصائدهم كما في قول جبُران سَحاري الذي أكّد على مبدأ الإمامة:
نُكنُّ لـ (خادمِ الحرمين) حبّاً
وتقديراً، إماماً جلّ فينا
وثانيها: أنّ الشعراء الذين واكبوا العاصفة قد أكثروا من وصف الجنود السعوديين بالشجاعة والبسالة والإقدام والاستعداد التام للقاء الأعداء المتربصين كما وصفوا الطائرات والسلاح والأساطيل البحرية.. كل ذلك رفعاً للمعنويات ولِنَقْل صور مما يجري في الميدان ومن ذلك ما نراه في قول الحسين الحازمي:
بكلّ (حزمٍ) تثير الموتَ عاصفةً
الطائراتُ التي تحظى بتحديثِ..
من جذوةِ العزّ في (سلمانَ) شعلتُها
كأنّها الرّعدُ صبّت كلّ منفوثِ..
أسطولُنا في أعالي الأفقِ مقتحمٌ
كما جرادٍ على الأعداءِ مبثوثِ
وثالثها: أنهم أكثروا كذلك من التأكيد على أنّ عاصفة الحزم إنما هي نصرة لأهل اليمن بطلب من رئيسهم وشواهد ذلك كثيرة منها قول محمد الزير:
واليمانيونَ إخوةٌ وأهلٌ
وجوارٌ ضرّهم حربٌ أوارُ..
خادمُ البيتين سلمانُ لبّى
صرخةَ المستنجدين استجاروا
وبهذا الوعي حضرت في شعر العاصفة معاني النصرة والإعانة والإغاثة والأخوة وحقوق الجوار، واتّحد الخطابان السياسي والشعري بطريقة تؤكد وحدة الهدف وشفافيته وتحول دون اصطياد المتربصين بالماء العكر.
الوعي التام بطبيعة العدو
وقد أوضح الباحث أن من يقرأ في الشعر الذي واكب عاصفة الحزم سيلاحظ سمة أخرى لا تقلّ وضوحاً عن السمة الأولى وهي أنّ الشعراء كانوا على وعي بالعدو الذي انحصر في ثلاثة أطراف: الحوثيون الخارجون على الشرعية اليمنية.. وحكومة إيران التي تتكئ على عصبية فارسية دفعتها لتحريك الحوثيين وتزويدهم بالعدد والعتاد والخونة الموالين للرئيس المخلوع. ويؤكد وعيَ الشعراء هذا عدمُ وصفهم بالعداء مَن هم خارج هذه الأطراف الثلاثة وعدمُ تردّدهم في التصريح بهؤلاء الذين كانوا السبب في ما آلت إليه اليمن؛ ولذا جاء فضحهم ظاهرة تكاد لا تنفلت منها قصيدة.
ويأتي فضح المنتمين لهذه الأطراف بذكر صفاتهم القبيحة التي عُرفوا بها في مواقف عدّة كالغدر والعمالة والأطماع السياسية والحقد والطائفية التي بها أباحوا الدماء وهدموا المساجد.. فالأعداء ناقضو العهد مُدّت لهم أيادي الوفاء وحسن الجوار ولكنهم كافؤوها بالخيانة حتى انعدمت الحيل في التعامل معهم إلاّ بقوة كقوة العاصفة؛ وقد صرّح الشيخ سعود الشريم بذلك إذ قال:
قدْ خانَ موطنَنا رغمَ الجوارِ يدٌ
كنّا نصافحُها باللطفِ والأدبِ
كنّا نكافئها باللينِ -لا خوراً-
حتى غدتْ حسَداً حمّالةَ الحطَبِ
وكذلك صنع الشاعر زياد آل الشيخ، وكذلك عبّر الشاعر عبدالله بن سليم الرشيد، والشاعر عبدالله الخضير.
عاصفة الفن الشعري
وقد أوضح الدكتور الخميس أنه في البنية الفنية يبرز التنوع سمة واضحة في ذلك الشعر حيث لاحظ ذلك في أمرين.. أولهما: أنّ النصوص لفئات مثّلت بالفعل شرائح المجتمع المختلفة. إذ يعتقد أنّ وراء هذا التنوع المغري ظواهر فنية جديرة بالدراسة مستقبلاً وبالذات بعد أن يتّسع ميدان الدراسة كمّاً أو جغرافياً. وأما ثانيهما: فتنوّع الشكل الذي توزع بين المقطّعات والقصائد القصيرة والطويلة والقصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وإن كانت الأقل حضوراً كقصيدة الدكتور محمود الحليبي:
وطني أحبُّكَ حبَّ من يخشى عليك
لا حبَّ من يُبدي الهوى
ويداه ُ تنظر في يديك..
التناص في مواجهة العدو
ويأتي التناص من أبرز الظواهر الفنية التي أثرَتْ الشعر الذي واكب العاصفة وبدا فيه الاتكاء على الموروث الديني والتاريخي بمصادرهما المتنوعة. فقد وظف الشعراء آيات وقصصاً أفادوها من القرآن الكريم كإشارتهم إلى ما حدث في غزوة حنين للتأكيد على أنّ النصر من عند الله وأنّ خادم الحرمين الشريفين يدرك هذا الأمر كما تبين في بيت موسى شافعي الذي سبق ذكره وفي قصيدة حامد أبو طلعة الذي استحضر فيها قصة أصحاب الفيل وكيف أهلكهم الله:
على هدى ربِّها في ليلةٍ فيلِ
طافتْ بنيرانها صُقرُ الأبابيلِ
أسرتْ وفي الأرضِ أفيالٌ لأبرهةٍ
تطوفُ من فوقها ترمي بسجّيلِ
قُلَيْصُكَ انهدَّ والأفيالُ جاثمةٌ
وبتَّ في حسرةٍ يا صاحبَ الفيلِ
تلكَ الجيوشُ التي للبيتِ تحشدها
أباتها الله في بأسٍ وتنكيلِ..
ومثل هذا التناص الذي ظهر فيه التأثر بالقرآن الكريم حاضراً لدى الشعراء ومنه إشارة عبدالمطلب النجْمي إلى قصة أبي لهب وامرأته وذلك في قوله مخاطباً الملك سلمان الذي اغترّ عدوّه بحلمه فتوهّمه بلا قوة:
ولم يعلمْ بأنّكَ إنْ تمادى
لويتَ على محيطِ الجيدِ حَبلا
وقد أوضح الباحث أنما يقرب من توظيف القرآن كثرةً هو توظيف قصائد من الشعر العربي القديم خاصة ذات علاقة بالأحدث المعاصرة وهنا تتلاحم إحالات الإبداع والحدث والشخصية. فتأتي معلقة عمرو بن كلثوم في طليعة تلك القصائد المستحضَرة لما تحمله من نصرٍ عربي كاسح ضد الأمة الفارسية وذلك في يوم ذي قار. ومن هذا الاستحضار أن نظم بعضهم قصيدته على وزن ابن كلثوم وقافيته كما يتبين في قصيدة عبد المحسن الحقيل:
ألا هبّي بصحنِك فاصبحينا
ولا تُبقي خمورَ الأندرينا
بعاصفةٍ لها قلبٌ جسورٌ
يمزّقُ زيفَهم حتى روينا..
وفي قصيدة جُبران سحاري أيضاً.
وهناك قصيدة أبي تمام في فتح عمورية التي يبدو أنها أكبر ما حرّك قرائح الشعراء ومردّ ذلك -كما يرى- إلى أمرين: وجود شخصية المعتصم بالله التي تناظرها شخصية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، وكون فتح عمورية نتيجة صرخة واستغاثة كما هو حال اليمن الشقيق الذي جاءت العاصفة نصرة لأهله وللشرعية. وقد نظم بعضهم على وزنها وقافيتها كقصيدة الشيخ سعود الشريم التي سبقت، وقصيدة سامي القاسم:
الحزْمُ يفضحُ أهلَ الشكّ والكذبِ
وفي العواصفِ إيمانٌ مع الأدبِ
روح البردوني في خبايا النصوص
وتأتي قصائد الشاعر اليمني البردوني مما استحضروها لما يحمله بعضها من إحساس صادق بخطورة التدخلات الخارجية والفارسية خاصة ثم لأنه ابن اليمن الذي أحبها ونافح عنها بلسانه وسجن في سبيل الدفاع عنها. ومن أولئك الشعراء منصور مذكور في قصيدته:
فظيعٌ جهلُ ما يجري
وأفظعُ منهُ أنْ تدري
أعبدَ الله عذراً إنْ
يعارضُ شعرَكمْ شعري
ويظهر وعيُه بالمعارضة في أخذه مطلع البَرَدُّوني وفي تصريحه بها في البيت الثاني وهي من أبرز القصائد التي نافح فيها البَرَدُّوني عن اليمن وحذّر من عدوها الداخلي والخارجي. كما عارض مذكور قصيدة البردوني الأخرى والتي مطلعها:
ما أصدقَ السيفَ إنْ لم يُنضه الكذبُ
وأكذبُ السّيفَ إنْ لم يصدقِ الغضبُ
وذلك في قصيدته:
يا طفلَ صنعاءَ لا تحزنْ بمنْ ذهبوا
نفديكَ، كل (خليجي) لليتيمِ أبُ
وفيها تلتقي قصيدة أبي تمام بالبردوني. ومن الشعراء من اكتفى بتوظيف الحدث والإحالة إليه، دون أن ينظم على وزن من خلدها بشعره وفي ذلك دلالات كثيرة تثير فضول القارئ للبحث عن علاقة ما مضى بالأحداث الراهنة ومن ذلك ما جاء في قصيدة الشيخ علي الشهري:
الحزْمُ أمضى في حوارِ المعتدي
والسّيفُ أصدقُ في اجتثاثِ المفسدِ
والمعنى يحيل بوضوح إلى قصيدة أبي تمام الذي جعل الفعل هو الفاصل بين القوي والضعيف.
تكراران
ومن السمات الفنية التي بدت واضحة في شعر العاصفة التكرار الذي ظهر للباحث منه نوعان تكرار على مستوى القصيدة الواحدة وآخر بالنظر إلى القصائد كلّها منتجاً شعرياً لتلك العاصفة. أما النوع الأول فظهر في تكرار بعض الكلمات التي كان لها وزنها في العاصفة إن إيجاباً وإن سلباً مثل: (أمة العرب الخليج اليمن صنعاء السعيدة سعوديون) ومثل: (نصر الله إيران الفرس مجوس حوثي). وقد سبقت شواهد ذلك ومن هذا النوع تكرار بعض الأساليب وخاصة الأساليب الطلبية التي استحوذت على النصيب الأكبر والتي كان لها دور فاعل في إضفاء السمة الخطابية على شعر العاصفة تلك التي نحسّ بها حين نقرأ بيت محمود الحُليبي وقد كرر الأمر مدعوماً بالنداء:
يا غارةَ الله، هبّي حرّري اليمنا
ولقّمي الحوثَ فيها الموتَ والعفنا
وتظهر الخطابية أكثر وضوحاً بتعدد الأساليب المكررة كما فعل عبدالله الخضير حين كرر فعل الأمر والجملة الاسمية ومبتدئها اسمِ الإشارة وأفعل التفضيل:
حلّقْ، جعلتُ فداكَ الرّوحَ والذّهبا
فيومُ عزّتنا الكُبرى قد اقتربا
حلّقْ بعاصفةٍ، سلمانُ قائدُها
إذْ أخرسَ الحُوثَ حتى أعلنوا الهرَبا
حلّقْ بعاصفةٍ، الله شرّفها
تحاربُ الظّلمَ والعدوانَ واللَّغَبا..
هذا الخليجُ تآخى في مؤازرةٍ
كي يدفعَ الشرّ والأهوالَ والكُرُبا
هذي العروبةُ من حولي تعودُ لنا
أكرمْ بهمْ عرباً أكرمْ بهمْ نسَبا
هذي العروبةُ أهدتْنا ضمائرها
فأحرقتْ منْ بنارِ الشرّ قد لعِبا..
ومع عنوان القصيدة (حلّق بعاصفة) يكون الفعل حلق قد تكرر وحده ست مرات الأمر الذي يجعل من هذه القصيدة خطبةً حماسية. وأما النوع الثاني من التكرار الذي يتجاوز النظر للقصيدة الواحدة بوصفها إنتاجاً إبداعياً قائماً بذاته إلى النظر للقصائد كلها بوصفها إحدى نتائج عاصفة الحزم فقد بدا أكثر وضوحاً في تكرار الإحالات إلى بعض الأحداث والوقائع والقصائد والشخصيات وقد سبق الحديث عنها مفصلاً في ظاهرة التناص. ويدخل فيه تكرار عناوين القصائد التي جاء معظمها على اسم العملية عاصفة الحزم أو بُنِيَ من هاتين المفردتين بإضافة أو حذف ولا نبتعد عن الإصابة إذا قلنا إنّ هذا مؤشر على أنّ العملية كانت محرّكاً لمشاعر إيجابية كادت تموت لما رأى الشعراء فيها من وحدة وقوة وعزة ونصرة كما أنه مؤشر على أنّ ثمة عفوية في اختيار العناوين، بل في المنتَج الإبداعي الذي لم يصرِفْ له صاحبه نظرةَ مراجِع أو ناقد حرصاً على سرعة النشر لمواكبة الحدث يؤكّد ذلك عدم عنونة بعض القصائد وإصابة بعضها بأخطاء لغوية وكسور عروضية وضرورات شعرية.
مداخلات ختامية
وفي ختام المحاضرة ألقى عدد من الحاضرون المداخلات الشعرية والنثرية التي حاورت الباحث، أو طرحت التساؤلات، ومن ثم عقب عليها الباحث الدكتور عبدالرحمن بن صالح الخميس، بما منح المحاضرة المزيد من الأضواء الكاشفة التي أضاءت العمل البحثي وقربت صورته إلى الحاضرين ومن ثم عكسه على القراء ومحبي الفكر والثقافة في المملكة والوطن العربي.