مقبول بن فرج الجهني ">
برحيل صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ومستشار خادم الحرمين الشريفين - تغمده الله برحمته -، فقدَ العالم أحد زعماء السياسة أو قل دهاة السياسة في الشرق الأوسط، فقد أعطى وقته وصحته في سبيل قضايا وطنه وأمته طوال خمسة عقود حتى جاء الوقت الذي يترجّل الفارس، فكان ذلك من أصعب الأمور وأثقلها، كما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -: «عرفناكم كما عرفكم العالم أجمع على مدى أربعين عاماً متنقلاً بين عواصمه ومدنه شارحاً سياسة وطنكم وحاملاً لواءها ومنافحاً عن مبادئها ومصالحها ومبادئ ومصالح أمتكم العربية والإسلامية، مضحياً في سبيل ذلك بوقتكم وصحتكم كما عرفنا فيكم الإخلاص في العمل والأمانة في الأداء والولاء للدين والوطن، فكنتم لوطنكم خير سفير ولقادته خير معين».. إن حديث خادم الحرمين الشريفين - سلمه الله - ينبع من الحب الكبير والتقدير العظيم للقامة العظيمة نظير إخلاصه وتفانيه فيما قدمه في موقعه كوزير سابق لوزارة الخارجية بعد قبول طلبه إعفائه من وزارة الخارجية الذي كان له صدى واسع في كثير من عواصم العالم، فجاءت الإشادة من واشنطن على لسان وزير خارجيتها جون كيري الذي قال: لم يكن الأمير سعود أقدم وزير خارجية فقط، بل من أكثرهم حكمة، فيما وصفه نظراؤه الخليجيون بعد اجتماعهم مؤخراً في الرياض بـ «فقيه السياسة» حيث كان رمزاً للأمانة والعمل المتواصل لتحقيق تطلعات قيادته ووطنه وأمته، وعرف عنه الجميع إن كان الشعب السعودي أو الأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع بتفانيه في عمله مضحياً في سبيل ذلك بصحته.
البراعة في توصيل جوهر الرسالة
الأمير سعود الفيصل - يرحمه الله - مستشار حكيم ودبلوماسي عبقري ورجل سلام أسهم مساهمة فاعلة في خدمة العالم أجمع، وقد وصفته وكالات الأنباء العالمية بأنه كان على طبيعته، سواء وهو يرتدي الدشداشات أو البدلة، وسواء كان يتحدث اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية، وقد أثبت في مواقف كثيرة براعته في توصيل جوهر الرسالة السعودية بكل وضوح متجاوزاً التفاصيل الدبلوماسية المنمقة، فقد كان - رحمه الله - جل السمع والبصر في إدارة ملف السياسة السعودية باقتدار، وشهدت فترة تسلمه حقيبة وزارة الخارجية عدداً من المحطات الهامة أثبتت حنكته وحكمته وعبقريته السياسية وقدرته الفائقة على تقدير الأمور والنجاح بتفوق، حتى إن دهاقنة السياسة أطلقوا عليه اسم عميد دبلوماسيي العالم، واستطاع بذلك التألق في توجيه المملكة في عالم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وقد حظي بالإعجاب المذهل من وزراء الخارجية في الولايات المتحدة.
حكيم ابن حكيم
الأمير سعود الفيصل تولى وزارة الخارجية خلفاً لوالده الملك فيصل - يرحمه الله - فكان حكيماً وابن حكيم وترتبط حكمته - يرحمه الله - ببلاغة وقوة إرادته، فقد كان له حديثان هامان قبل عدة أشهر، ويعتبران آخر حديثين لسموه.. أحدهما خلال انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ بمصر الذي رد فيه ببلاغة عميقة عمق قوتها على رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المجتمعين في القمة العربية، كما لم يمنعه ذلك من أن يعبّر بعاطفة جياشة عن أسفه لعدم حضوره تشييع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - تغمده الله برحمته -.
وفي كلمة مؤثرة في مجلس الشورى السعودي شبّه فيها حالته المتردية بحالة الأمة العربية، إن الحديث عن الأمير سعود الفيصل - يرحمه الله - الذي استطاع برؤية ثاقبة أن يحوّل منهجية السياسة العالمية كي تتطابق مع المنهج والرؤية الدبلوماسية التي يريدها شعبه ووطنه، كان - رحمه الله - لديه قدرات مؤثرة على الحشد وبناء التحالف، استطاع بحكمته وبُعد نظره أن يتحدى أخطر أزمة تعرضت لها المملكة لهجوم إعلامي وثقافي لتبعيات الحادي عشر من سبتمبر، وأمام هذا الحشد الإعلامي استطاع بدبلوماسية الحكماء العظماء الإثبات بالبرهان أن السعودية أول ضحايا الإرهاب، وبهذه النظرة الثاقبة والحنكة السياسية الحكيمة استطاع بناء التحالف في مواجهته، لذا فالفيصل كما قال عنه معالي الأستاذ إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي: «صنع قصة نجاح في مجال مسئولياته الجسام وبلغ مكانة تضعه في موضع الند».. مضيفاً: «وأنك حينما تلحظ الدفق من المشاعة وهذه الآلاف التي تعزي وتعبر عن أحزانها لوفاته، حيث اختزن الناس صورة وزير الخارجية لا بد أن يتبادر إلى الذهن تساؤل عن أسباب هذا التفاعل والانفعال المهيب.. نعم لماذا؟.. وتأتي الإجابة لأنه كان يحمل قيمة الرمز، رمز السلطة، رمز فرد من الأسرة المالكة في موقع المسئولية والاهتمام بخبر وفاته من طبيعة الأمور لكن لعمق الشعور بالقدر والإحساس بأن الحزن أوسع من موقف عند وفاة صاحب نفوذ، دلالة تتعدى شخص الأمير الراحل وتمتد لتدل على موقع الأسرة المالكة في الخريطة الاجتماعية في موقعها في حياة الإنسان العادي في نفسه في ضميره في قلبه في عقله». لقد اخترت هذه الكلمات للأستاذ القدير إياد مدني أثناء إعدادي لهذه الكلمة عن فقيد الوطن الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - لما فيها من معانٍ سامية وعميقة عمق الحب الكبير والولاء العظيم من شعب هذا الوطن العزيز المحب لقيادته الحكيمة ممثَّلة في خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد - حفظهم الله -.
قالوا عن الفقيد
صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك رفع تعازيه باسمه وباسم أهالي منطقة تبوك للقيادة الحكيمة والأسرة المالكة والشعب السعودي، وقال بأن الجميع في منطقة تبوك أصابهم الحزن والألم بفقدان سموه، وهو رجل دولة أخلص لوطنه وأمته العربية والإسلامية في المحافل الدولية، وبذل حياته وأفنى عمره من أجل الحفاظ على مكانة المملكة الإقليمية والدولية، فكان رمزاً للأمانة والعمل الدءوب لتحقيق تطلعات قيادته ووطنه وأمته ومدافعاً عن قضايا أمته العربية والإسلامية، والعالم سيذكر الفقيد كقائد محنك للدبلوماسية.
صاحب السمو الشيخ - عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية بدولة الإمارات الشقيقة نقل عنه الأستاذ عبد الله فدعق من تغريدة لسموه ناعياً ومؤبّناً أخاه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل الذي فُجع العالم من أدناه إلى أقصاه برحيله عن هذه الدنيا الفانية في ليلة من ليالي رمضان المبارك، ويضيف ناقل التغريدة عن مقال كتبه سمو الشيخ عبد الله نفسه قبل تسعة أسابيع وتحديداً في 16 رجب الماضي عنونه «رجل المهمة» إثر قراءته لخبر تنحي الأمير سعود من منصبه، أكد فيه أنه يظلم الأمير سعود من يشبهه بهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق.
فهو سعود السياسة الدولية، ثم ذكر وبكل فضل قوله: تعلمت من هذه القامة العظيمة أشياء كثيرة، وهنا أشار الكابتن الفدعق إلى أن عبارة الأستاذ في تغريدة سمو الشيخ عبد الله بن زايد تعبير علمي يلخص لنا من هو سعود الفيصل، كما تضمن مقال سمو الشيخ عبد الله أيضاً قول ميخائيل جورباتشوف زعيم ما كان يُعرف بالاتحاد السوفيتي» «لو كان لدي رجل كسعود الفيصل لما تفكك الاتحاد السوفيتي».
عزاؤنا للوطن ولقيادة الوطن في وفاة سعود الفيصل، سائلين المولى أن يسبغ على الفقيد من واسع رحمته ورضوانه، وأن يجزيه عن البلاد حكومة وشعباً خيراً.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.