ثامر بن قاسم القاسم ">
من الحسنات التي تُذكر وتُشكر لمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - لتطوير مرفق القضاء إحداثُ قضاء التنفيذ، الذي أعقبه صدور المرسوم الملكي رقم (م-53) وتاريخ 13-08-1433هـ بالموافقة على «نظام التنفيذ».
وقضاءُ التنفيذ يُعتبر من أهم جهات القضاء؛ إذ التنفيذُ هو ثمرة الأحكام القضائية، وغاية السندات النظامية (التنفيذية)؛ فبه يُقتصُّ الحقُّ، وتستقرُّ الحقوق، ويرتدع المماطل، وهو المقصد الرئيس من إقامة الدعاوى؛ فلا ريب أن مُريد القضاء وقاصده لدعواه مراده: الحصول على الحقِّ المدعى به بأقرب الطُّرق وأسرعها. والأمر كما قال الفاروق عمر - رضي الله عنه-: «فإنه لا ينفع تكلُّمٌ بحقٍّ لا نفاذ له».
ومن الأمور التي تساهم في تنفيذ الأحكام القضائية، وغيرها من السندات التنفيذية، والتي تعجِّلُ في أداء الحقوق لأصحابها، وفق إجراءات محكمة، متتابعة، مترابطة، نفاذة، وفي وقت قصير: تفعيلُ الاختصاص النوعي لدوائر التنفيذ.
وقد يكون الاختصاص النوعي بناءً على: نوع السند التنفيذي، كما حدَّدته المادة التاسعة من النظام، أو بحسب الموضوع: (عقاري، أحوال شخصية، حقوقي، أوراق تجارية.. وغيرها).
فالاختصاصُ النوعي سيُساهم في تحقيق العدالة المقصودة من الحكم القضائي وغيره من السندات التنفيذية؛ فالتخصُّص والممارسة المستمرة والمتكررة لنوعية محددة من السندات التنفيذية يمنحان القاضي ملكةً، وفهماً، واستيعاباً للشروط الشكلية والموضوعية للسندات التنفيذية، فضلاً عن دراية تامة لإجراءاتها وطبيعة تنفيذيها؛ ما يُساهم في تنفيذ السندات التنفيذية بدقة، وجودة، وإنجاز سريع.
ولئن كان يغلب على قضاء التنفيذ أنه قضاء إجرائي إلا أن النظام جعل له اختصاص الفصل في المنازعات الناشئة عن التنفيذ وما يتبعها، كما وضحته المادة الثالثة من «نظام التنفيذ»؛ وهذا يؤكِّد أهمية الاختصاص النوعي لدوائر التنفيذ؛ فمنازعات التنفيذ العقارية - مثلاً - وإجراءاتها تختلف عن المسائل الحقوقية والتجارية، وتختلف اختلافاً جوهرياً عن تنفيذ مسائل الأحوال الشخصية كالحضانة والزيارة والنفقة الشرعية ومنازعاتها التنفيذية.
فالمتعاملُ مع قضاء التنفيذ يرى كثرة أعداد طلبات التنفيذ وتنوُّعها المقدَّمة لمحاكم التنفيذ، ويلمسُ كذلك ازدياد الدوائر التنفيذية كل فترة؛ الأمر الذي يدلُّ على أنَّ قضاء التنفيذ حقَّق مقصده خلال فترة وجيزة؛ فهو لم يكمل عامه الثالث، ومع ذلك حقَّق نتائج إيجابية تستحقُّ الإشارة والإشادة. فمن تنفيذ ثماني طلبات خلال أسبوعين عام 1434هـ إلى تنفيذ ألف طلب في المدة ذاتها في العام الهجري الحالي 1436هـ، وذلك بحسب إحصائية منشورة عن وزارة العدل.
ووفقاً للإحصائية، فإنه تم تنفيذ 27843 طلب تنفيذ خلال ستة أشهر ماضية، منها 14504 طلبات تم تنفيذها خلال مدة تراوحت بين شهرين وثلاثة أشهر!
وهذا العدد سيزدادُ مع قادم الأيام لا محالة؛ فتفعيل الاختصاص النوعي لدوائر التنفيذ سيساهمُ في تقليص فترة الإنجاز وجودته؛ فقضاء التنفيذ يغلب عليه الطابع الإجرائي، والذي يعاون القاضي فيه أعضاء الدائرة التنفيذية من الطاقم الإداري ومأموري الحجز والتنفيذ وغيرهم، سواء قبل صدور القرار التنفيذي أو بعده. وعليه، فالاختصاص النوعي للدائرة سيعود بالنفع لموظفي الدائرة أيضاً، من حيث دقة التنظيم، وإتقان الإجراءات السابقة واللاحقة لصدور القرار التنفيذي، ومتابعة تنفيذ القرار التنفيذي مع الجهات ذات العلاقة، ومعرفة متطلباتهم وإجراءاتهم.
فالمأمولُ أن ينال هذا المقترح اهتمام معالي وزير العدل - وفقه الله - من حيث تطبيقه، ووضع آليته المناسبة، وفق لائحة تنظيم داخلية في محاكم التنفيذ، وخصوصاً في المدن الكبرى.
بارك الله في الجهود، وسدَّد الخُطى. وصلَّى الله وسلَّم على خير الورى.
- محامٍ وباحثٌ أكاديمي في الأنظمة
ttalqasem@gmail.com