المعلومة الصحيحة.. تُبدد الشائعات ">
المدينة المنورة - مروان عمر قصاص:
تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ فترات طويلة ظروفاً غير عادية، حيث يخيّم عليها شبح ما يُسمى الربيع العربي ونتائجه وخروج جماعات إرهابية تتستر بالإسلام مثل داعش وغيرها من المنظمات التي تقوم بأعمال خارجة عن الدين والقيم، وفي أجواء موبوءة كهذه لا بد من الإشارة إلى أهمية تعزيز إمكانيات الجبهة الداخلية حتى تكون قوية لتجاوز سلبيات هذه الأحداث المحيطة بنا وببلادنا الغالية، ولعل أخطر ما يواجه الشعوب في حالات كهذه هو الإشاعة وترويجها، وهو ما يهدد قوة الجبهة الداخلية لذا فإنه لا بد من التحذير من هذا الخطر.
وأكد عدد من المتابعين والباحثين في الشأن الداخلي على أهمية متابعة هذه الظاهرة والعمل على الحد منها وخطورتها والتي تكمن في توفر قنوات عديدة لانتشارها في المجتمع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ويتداولها الكثيرون، خصوصاً أن بلادنا - حماها الله - مستهدفة وينشط بعض أعداء هذه البلاد في فبركة صور وأحاديث مركَّبة لرموز معروفة وتروّج لأفكار خبيثة لإثارة الفتنة الداخلية والتأثير على الجبهة الداخلية والتفافها القوي حول قيادتها، وأكدوا على أهمية عدم تداول معلومات عسكرية أو صور لتحركات عسكرية قد يكون له تأثير سلبي على قواتنا المسلحة بدون قصد من مروّجي تلك المعلومات أو العبارات، ويكون لها تأثير سلبي على قواتنا التي تخوض معركة هامة لصد الهجمات الحوثية الغادرة ومن يقف وراءها.
الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي والإشاعة
وفي ظل انتشار الفضائيات التي تخدم أجندات محددة وكذا وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر وفيس بوك وانستنغرام) وغيرها، التي تسهم جميعها في سرعة وصول المعلومة، وهذه الوسائل كما أنها تنقل الحدث اللحظي، فهي أيضاً ولخدمة توجُّه معين تكون وسيلة لترويج الإشاعات خصوصاً أن بعض هذه الوسائل تفتقر للمصداقية ويمكن التأثير عليها من أية جهة لإثارة البلبلة في بلد ما عبر إطلاق إشاعات معينة، كما أنه يجب أن لا نهمل خطورة الإشاعات الداخلية والتي شعارها - يقولون -، ورغم أنها وسيلة بدائية وذات مدى قصي، إلا أنها ما زالت تؤدي دورها في تداول ونقل الأخبار والأحداث وإثارة البلبلة بشكل مقلق.
رأي أحد أئمة المسجد الحرام
ويقول معالي الشيخ عبد الرحمن السديس الرئيس العام لشؤون الحرم المكي والمسجد النبوي وإمام وخطيب المسجد الحرام في إحدى خطبه إن الشائعات من أخطر الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية، بل من أشد الأسلحة تدميراً، وأعظمها وقعاً وتأثيراً، وليس من المبالغة في شيء إذا عُدَّت ظاهرة اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، وأنها جديرة بالتشخيص والعلاج، وحرَيةٌ بالتصدي والاهتمام لاستئصالها والتحذير منها، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها، حتى لا تقضي على الروح المعنوية في الأمة، التي هي عماد نجاح الأفراد، وأساس أمن واستقرار المجتمعات، وركيزة بناء أمجاد الشعوب والحضارات.
وقد عانت وتعاني الشعوب والدول كثيراً من سلبيات الشائعات وانتشارها خصوصاً في أوقات الحروب والأزمات والكوارث، حيث يتجاهل المواطنون الجهات الرسمية التي تقدم المعلومة الصحيحة، ويبحثون عن الشائعات التي تنتشر ويبنون تصرفاتهم عليها وعندها تكون الخسارة كبيرة جداً، وأحياناً يكون لغياب المعلومة من الجهة المختصة سببٌ مباشرٌ في تشجيع مروجي الشائعات، حيث لا تقوم بعض الجهات بإصدار بيان حول حقيقة ما حدث، وبالتالي قطع الطريق على من يحاول إثارة البلبلة حتى إن بعض الصحف تقع أحياناً وفي ظل هذا الغياب في ترويج بعض الشائعات - دون قصد - حول هذه القضية الهامة كان لنا جولة بين المسئول والمواطن عن الشائعات وكيفية التصدي لها وتجاوز سلبياتها، فتوفرت لدينا هذه الحصيلة التي أرجو أن تكون أساساً يُعتمد عليه في الجهات المختصة.
رأي خبير في الإشاعة
يقول المحامي سلطان الزاحم حول الشائعة وأثرها إن الشائعة وليدة الغموض والتناقض للمواقف والأحداث، الأمر الذي يتيح الفرصة لإطلاق التفسيرات المشبوهة في ظل عدد من المؤشرات التي تؤيد أو تعارض الواقعة، ومما يزيد من حدتها ضبابية رؤية الحدث وانعدام الثقة في مصدر الخبر.
وقال إنه ومن خلال دراسات موثقة خلصت إلى أن 70 بالمائة من التفاصيل تسقط خلال خمسة أو ستة تنقلات من فم إلى فم حتى وإن لم يكن هناك فترة زمنية فاصلة في النقل، فمعدل سقوطها يتبع اتجاهاً هبوطياً مطرداً وإن كان أكبر معدل لسقوط التفاصيل يتم في الاستعدادات الأولى حتى تنتهي الواقعة إلى خبر مقتضب مضاف إليه كثير من المبالغات والأقاصيص المختلفة.
ويؤكد الزاحم أن الإشاعة تنفيس داخلي حيث تتحول القصة إلى مناسبة جيدة للتنفيس والتفريج عما يلج في النفس وفرصة مواتية لتهدئة التوترات الانفعالية الحادثة أو للضغوط الفكرية أو الانفعالية، وكما يتدخل التعصب في عملية الإشاعة، فإن العوامل الذاتية أو الإسقاط أو عامل التميُّز له تأثيره أيضاً.
فالحقد والحسد يجعلان البعض من الحاقدين يسرد أقاصيص الاتهام والافتراء والكذب، والطموحات والآمال تكمن وراءها الإشاعة الحالمة، والقلق هو القوة الدافعة إلى أقاصيص الكوارث، وحب الظهور يجعل سرد القصص المضحكة مجالاً للهيمنة على المستمعين، والتشنيع والتجريم وسيلة للتنفيس عن مشاعر الضعف والحق.
ويؤكد أن الإشاعة أحياناً تحدد اتجاهات الرأي العام، ويقول إن الغموض الذي يكتنف الإشاعة الواحدة يجعلها تنتشر وتتوالد بطريقة مركبة وغالباً ما يصدر من شائعة واحدة إشاعات تنشر الأكاذيب الضخمة بصورة أكثر من انتشار الحقائق الصادقة، وكلما كانت الشائعة تدور حول حديث هام ومثير يزيد تأثيرها ارتباطاً من حب الاستطلاع المعرفي ويكون أثرها عميقاً في نفوس الناس حين تكثر الأقاويل المتعارضة.
كيفية التصدي للإشاعات
ويطرح الأكاديمي الإعلامي الدكتور محمود الحربي مدير المركز الإعلامي بجامعة طيبة رأيه حول كيفية وأد هذه الشائعات والحد من انتشارها، ويقول إن الكثير من أجهزة الدولة ومن خلال بيانات موثقة للناطق الإعلامي في تلك الأجهزة لبيان حقيقة الأوضاع بكل شفافية هو أبرز وأهم الحلول وأكثرها جدوى لمكافحة الشائعات وترويجها مع التزام عامل السرعة في كشف الحقائق وعدم تأخر البيان أو التصريح، وطالب الحربي بأهمية التركيز في خطب الجمعة وفي الندوات على أن المبدأ الأخلاقي الذي يتمثّل بالتربية السليمة والصدق والانصراف عن الغيبة والنميمة أمور تقوي الأواصر والتماسك الاجتماعي، مؤكداً على أن تعاليم الدين الإسلامي تعتبر الإشاعة كذباً وافتراءً وخداعاً وتضليلاً ووسيلة الانتهازيين الذين في قلوبهم مرض، ومن هذا المنطلق شدد الدين الحنيف على وجوب التثبت عند سماع الأخبار والتأكد من مصداقية مصدرها.
تحذير من الإشاعة
حذر الأستاذ عبد الواحد الحطاب مدير العلاقات العامة في وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي الشريف من خطورة ترويج الشائعات خصوصاً في الأوقات الحرجة والتي يكون لها تأثير سلبي على الأمن الوطني، وقال إنه ومنذ فجر التأريخ والشائعة تمثّل مصدر قلقٍ في البناء الاجتماعي، والانتماء الحضاري لكل الشعوب والبيئات، وقال الحطاب إن الشائعات آفة اجتماعية خطيرة تعاني منها الكثير من الأمم والشعوب منذ فجر التاريخ، والمواطن المسلم والصالح والمنتمي إلى دينه وطنه هو من يكون لديه الوعي الكامل بدوره كفرد في مجتمع يجب أن يكون متماسكاً وقوياً للتصدي لكل المحاولات التي قد تنال من الجبهة الداخلية ويحرص على أن يجنب نفسه ووطنه خطر وسلبيات الشائعات المغرضة والأفكار الهدامة التي تهدد أمن الوطن والتي يسعى بعض المغرضين من أعداء الأمة لترويجها وبثها ليتولى المواطن نشرها دون شعور منه بخطرها وآثارها السلبية علي المجتمع، وطالب العوفي بالحد من ترويج الشائعات ونشرها، وقال إنه لا يجب أن يردد الإنسان كل ما يسمع دون تمحيص أو تدقيق ودلل على كلامه بحديث نبوي شريف يقول فيه الرسول صلي الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما يسمع).. ويقول أحد أئمة الإسلام: أعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يُقال.
الإشاعة وإضعاف الأمة
ويرى فضيلة الدكتور محمد الخطري مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة المدينة المنورة أننا ونحن نتعايش هذه الظروف الحرجة علينا أن نتذكر أن الدين الإسلامي يحذر من كل ما من شأنه إضعاف الأمة والتأثير على صلابتها وقوتها والشائعات تسبب بلبلة في المجتمع، وقال إن الإسلام حذر من الغيبة والوقيعة في الأعراض، والكذب والبهتان والنميمة بين الناس، مبيناً أن الشائعة وقود ذلك كله، وقد أمر الإسلام بحفظ اللسان، وأبان خطورة الكلمة، وحرّم القذف والإفك، وتوعّد محبّي رواج الشائعات بالعذاب الأليم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النور.
وقال الخطري إنه مما لا شك فيه أن الشائعات من الأسلحة الخطيرة الفتاكة والتي تستخدم في الحرب والسلام وهدفها خلخلة المجتمع وإضعافه وهي آفة مدمرة للمجتمعات والأشخاص، وقال إن تاريخ الإشاعة قديم جداً قِدم الإنسان، وقد ذكر القرآن الكريم نماذج في قصص الأنبياء، حيث أشار إلى أثر الشائعات التي أُثيرت حولهم من قومهم، ودلل على ذلك بقصة الإفك المعروفة، وقال إن الدول تهتم بهذه القضية، بل إن بعض الأجهزة تابع الشائعات وآثارها.
مروِّج الإشاعات عضو مريض
وطالب الدكتور بهجت بن محمود جنيد تربوي متقاعد بمنطقة المدينة المنورة بالتصدي بقوة وحزم لكل من يحاول ترويج الشائعات وبخاصة في مثل هذه الظروف، مؤكداً أن مروّج الشائعة عضو مريض في مجتمع صالح، وقال إنه لئيم الطبع، مريض النفس، منحرف التفكير، عديم المروءة، ضعيف الديانة، يتقاطر خسَّة ودناءة، قد ترسّب الغلّ في أحشائه، فلا يستريح حتى يرى المجتمع في قلق دائم.
وقال جنيد إن الشائعات تصدر من فئات حاقدة من البشر وهي فئة مريضة وأرواحها ميتة وليس لديها ذمة أو خلق ولا تخشى الله عز وجل، وهذه الفئة امتهنت نشر الشائعات، وقال إن الفراغ من أسباب بروز مثل هذه الفئات التي تنخر في المجتمعات، وأضاف أن من مسبباتها الحقد والحسد والبغض والكره، وهى من الوسائل التي يستخدمها ضعاف النفوس لسد عجز يشعرون به وينالون من خلاله من النجاح وهم من أعداء النجاح.
واعتبر جنيد محاربة الشائعات مسؤولية جماعية بصفة عامة وتكون مسؤولية وطنية في أوقات معينة مثل هذه الأوقات والتي تعيش فيها المنطقة هاجس صراع يهدد أمن منطقتنا، وقال إن أهم الأسس في محاربتها هو إحسان الظن مع عدم ترويج كل ما يُقال وما يُسمع، كما أن على من يسمع أي شائعة أن يتحرى الدقة فيها ويطالب بالبرهان الذي يدعم قول الراوي، ثم علينا تجنب الخوض في نشر ما نسمع لأننا نعلم أنه لو لم ننقل ما نسمعه لماتت الإشاعة في مهدها وفوتنا على مروجيها تحقيق أهدافهم، كما علينا أن نرد أمر ما يُشاع إلى المسئول ونسمع رأي ولي الأمر ونتابع وسائل الإعلام، وقد تعودنا ولله الحمد من وسائل الإعلام المحلية متابعة دائمة لكل حدث.