«لم ينحصر الأسى والحزن على فقده ورحيله في حدود مملكته وشعبه فحسب، بل عمّ ذلك أرجاء الدنيا، فقد تجلت مواقفه السياسية بالعدالة والمواساة على مستوى أقطار العالم، ومنحه أقرانه من ساسة العالم الصدارة في الحكمة وحنكة الرأي ورجاحة الفكر، وكان بالنسبة لهم الرائد الذي لا يكذّب أهله.
« سعود الفيصل -رحمه الله- أسس للسياسة العربية منهجاً يسير عليه الساسة، فكان موفقاً وناجحاً في رؤاه ومخططه السياسي العربي، استفاد منه ساسة الغرب، وحذوا حذوه، وظل صديقاً لهم ومستشاراً؟
« لقد خسرت بلادنا -والعالم أجمع- رجل دولة ناجح بكل المقاييس، وسياسي محنّك لا يشق له غبار، أمضى في خدمة بلده وأمته نصف قرن تجلّت أعماله بالمواقف المشرفة والسياسة العادلة المنضبطة، قلّد بلاده خلالها أرقى الأوسمة، وعديد النجاحات، وحل العديد من القضايا العالقة والراكدة عجز غيره عن حلها.
« رحل سعود الفيصل مأسوفاً عليه، وأوجد ثغرة يصعب سدها، لكن عزاؤنا أنه أسس مدرسة في عالم السياسة السعودية والعالمية، ستظل منهلاً يعب منها كل من عاصرها من رفاق دربه، ومن كان في معيته إدارياً وسياسياً وتلمذة، وتمدرس فيها وأيدها واحترمها وقدرها علماء العالم وساسته.
« رحم الله سعود الفيصل سياسيّ المملكة الموفق رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما عمل وقدم وأنجز لأمته وبلاده وقيادته في ميزان حسناته.
* * *
« وخير ما أختم به هذه العجالة مقطوعة رثائية رائعة من قصيدة قالها في رحيله شقيقه الشاعر الكبير: صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة، نشرت على صفحات هذه الجريدة يوم الأربعاء 28-9-1436هـ بعنوان (رحيل سعود):
وداع يا الّلي عانقتْه الضّمايرْ
حبّوه خلق الله كبيرين وصْغارْ
خلّدْت اسمكْ ما رضيت الصّغايرْ
وتركت عابرها لشهْوات الاصْفارْ
ثروة حياتكْ جمعتها الحناجرْ
حبٍّ وتقدْيرٍ وتعظيم وكْبارْ
ناسٍ مظاهِرْ شيّ وناسٍ مخابرْ
والشّاهد الله انّك خْيار الاخْيارْ
شمسك غشاها اليوم دونكْ غبايرْ
خليّتنا يا سعود والوقت غبّارْ
يا عين أخوك الّلي تردّ العبايرْ
حَبسْتها والدّمع للعين غدّارْ
يقولها الّلي بالمواجيع خابرْ
رَجْلٍ على صكّات الأيام صبّارْ
علي خضران القرني - نائب رئيس النادي الأدبي سابقاً - الطائف