الجزيرة - عبدالعزيز سعود المتعب:
فقد الشعر الشعبي الجزل علم من أعلامه الكبار الشاعر عبدالله بن علي بن صقيه -رحمه الله- شاعر بني تميم الذي ارتبطت مسيرته الشعرية عبر القصيدة بكل ما يدعو للوقوف أمام نصوصه الشعرية المتميزة بتقدير لعمق تجربته ونضجها كشاعر فحل غني التعريف في كل أغراض الشعر الشعبي؛ حيث يحفظ الكثيرون من الرواة ورفيعو الذائقة الكثير من قصائده عن ظهر قلب، وأيضاً يستشهد الكثيرون بروائع شعره في مناسبات عديدة مختلفة وهذا دليل على شمولية إحاطة قصائده بشتى مناحي وشئون الحياة، لقد رحل عن هذه الدنيا إلى بارئه أرحم الراحمين بعد أن أضاف للشعر الكثير من المعاني الخالدة.. يقول (رحمه الله) في نظرته الثاقبة الفاحصة:
اللِّي يريد الطيب يبعد عن العيب
ما ينسكن قصرٍ تبيّن عَيابه
الحر ميقاعه بروس الشخانيب
يا للِّي عليك طيور دارك تشابه
ولأنه صاحب تجربة متبلورة تماماً في الحياة والشعر ويرى الأمور من زواياها -كما ينبغي-، يضاف لكل ذلك ما عُهد من جراءة في الحق وشفافية متناهية في المعنى بعيداً عن المواربة بأي حال.. فقد اختصر على من لم يُجرِّب بعض مواقف الرجال في الحياة منعطفات هذه المواقف التي غالباً لا تؤدي إلى نتيجة وبالتالي الندم والأسف بعد فوات الأوان الذي ما كان له أن يكون لو أُعْمِلَت الفطنة وفُعِّل -التروِّي- في الإحجام قبل الإقدام.
ما خِبْرت الحَرْمَلْ وِخِذْ منه مسواك
ولا قَدْ جِنِي حِلو الثمر من حَبَاجَهْ
ومن أشهر أبيات شعره في الحكمة (رحمه الله) قوله:
ترى البحر لا صرت ما أنْت بْسبَّاح
يغرق به اللِّي ما يعرف السباحة
اترك سبيل النَّاس حَتَّاك ترتاح
من جا بدرب النَّاس ما ذاق راحه
لا صار ما للدَّلْو جاذب وميَّاح
ما ينفع المضيوم كَثْرَة صياحه
وكان (رحمه الله) أنموذج لإباء الرجل العربي الأصيل وأنفته بعيداً عن المجاملة في غير موضعها لمن لا يستحقها وتوثيق ذلك في جل قصائده المتميزة (رحمه الله) من ذلك قوله:
لا يغرّك ضوح ضحضاح السراب
عالمٍ بثياب والكل امخبور
الرخم والبوم تِعرف والبغاث
ما تُوكِّرْ في مواكير الصُّقور
ما ذكر من عصر شداد بن عاد
تقنص الأحرار بطيور البحور
وفي نفس المعنى وبصراحته المتناهية يقول في بيت شعر من قصيدة أخرى:
القطن لا يغريك لو لان لمسه
ما خبر يعمل منه درعٍ وطاسه
وتحتوي قصائده على مكارم الأخلاق والقيم الرفيعة، ومنها حثه على التمسّك بعُرى الصداقة المُشرِّفة وفي المقابل الحذر من -أشباه الأصدقاء- الذين يتقنّعون بأقنعة الصداقة الوهمية العابرة لأهدافهم:
صديقك اللِّي ناصحٍ لا تِبِر فيه
إحذر من اللِّي قاضْيٍ بِك غَرَاضي
إترك ردِيٍّ ما تْذَرِّي حَوَامِيْه
عنْ زَلَّة الأصحاب ما به تَغَاضِي
وقد ألقت ظِلال تجاربه العميقة بفحواها على تفاصيل معاني نصوصه من ذلك توجيهه المباشر بعدم الحُكم على المظاهر الخدَّاعة وقد ضرب الأمثلة على ذلك يقول رحمه الله:
يا للِّي بضخم الحزْمْ عينك مْشَقَّاهْ
ليَّاك تزهد بالرجال النَّحايِفْ
الذِّيب كم ضخمٍ قَنَصْه وتَعَشَّاه
والنحف ما عاب السيوف الرَّهايف
إن شفت لك خرفان ضانٍ مْخَصَّاه
لا تكترب منها تراها خفايف
وكان نهجه الإسلامي في حياته جزء لا يتجزأ من حياته بأسرها يقول (رحمه الله):
أحرص على دينك وسمتك ومبداك
الين تفنى لا تغيّر مباديك
وبعد فإن الإشارة التأبينية الانطباعية لا تختزل تجربة أحد أبرز أعلام الشعر الشعبي عبداله بن علي بن صقيه التميمي -رحمه الله- ولكنها غيض من فيض مما يكنّه الجميع لتجربته الشعرية المشِّرفة التي يوازيها نهجه الفاضل في الحياة -رحمه الله-.