د. جاسر الحربش
للعقلية العربية منطق غير منطقي، لأنّها ترفض العدالة مع مكوناتها الخاصة، وتطلب المعاملة العادلة من الآخرين. اتفاقية المجتمع الدولي (وهي هكذا بالفعل) مع إيران تم التوقيع عليها وانتهى الأمر. حتى في حالة رفضها في التصويت الأمريكي، تبقى كحالة انتصار لصالح إيران في هذه الحالة أمام العالم وضد أمريكا واللوبي الصهيوني. يقول الرئيس روحاني: المقاطعة لم تكن ناجحة في أي مرحلة، ولو أنها سببت بعض المعاناة للمواطنين.
المحادثات التي استمرت من عام 2002م حتى 2015م (14 سنة) كان من المفترض أنها أوحت للعرب بأهمية إيران للدول العظمى المتحاورة (5 + 1)، بما يزيد كثيرا على أهمية العرب للعالم. لذلك على العرب التمعن، كحكومات فقط، في هذا الوضع المعنوي المتدني للعرب في العالم. كعناوين، الأسباب ظاهرة، الوضوح في المشروع والجدية في المتابعة والصبر وتماسك إيران ككتلة واحدة، يقابلها في الطرف الآخر غياب المشروع العربي والتذبذب والتململ والتفكك.
منذ البداية كانت المحادثات تتسم بطول نفس غير معتاد تتعامل به الدول العظمى مع إيران، رغم أن الكتلة الغربية فيها وهي أربع دول من ست، تصنفها في خانة الدولة المارقة. تم منح إيران الفرصة بعد الأخرى، وتم ابتلاع وهضم مماطلاتها وتنصلها مما توقع عليه. في الحقيقة كانت كل الدول الست تتعاون لصالح إيران وتتجنب إيذاءها. هذا القدر الاستثنائي من التفهم لم يسبق أن طبق من قبل على أي دولة تسمى مارقة.
فيما يلي أحاول تقديم رصد بالتواريخ للمحادثات منذ بدايتها عام 2002م حتى التوقيع عليها عام 2015م، ثم أترك الحكم لعقل القارئ آملاً منه عدم الانسياق مع الانفعال والصراخ الإعلامي هنا وهناك.
عام 2002م: حصلت الاستخبارات الأمريكية على أول معلومات عن محاولات نشاط غير مرصود لمفاعلات نووية في إيران. إيران ترد بأن تلك تسريبات دعائية عدوانية وتزعم أن جميع أنشطتها النووية تخضع لرقابة وكالة الطاقة الذرية الدولية.
عام 2003م: إيران توقع اتفاقاً إلحاقياً إضافياً إلى اتفاق التسلح النووي القديم، تتعهد بموجبه بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم وعن إعادة معالجة قضبان اليورانيوم التي سبق استعمالها بشكل جزئي، كما تتعهد بإمكانية الدخول غير المشروط لوكالة الطاقة الدولية إلى جميع منشآتها النووية.
عام 2006م: إيران تتوقف عن تطبيق الاتفاق الإضافي وتعلن استئناف التخصيب. إثر ذلك يجيز مجلس الأمن فرض حصار اقتصادي وتجاري على إيران، بطريقة قابلة للتوسع والشمول في المستقبل.
عام 2008م: رئيس البرلمان الأوروبي خافيير سولانا يتقدم إلى إيران بمشروع الدول الخمس العظمى + ألمانيا، كعرض جديد للتعاون، لكن إيران ترفض إيقاف التخصيب.
عام 2009م: إيران تقدم عرضاً بديلاً لقبول الاستمرار في تخصيب اليورانيوم خارج إيران (روسيا مثلا) وتستمر في التخصيب مستثمرة الوقت ريثما يتم درس عرضها الجديد.
عام 2011م: يتم لقاء بين دول «5 + 1» مع إيران في اسطنبول، ثم تؤجل الاجتماعات مرة بعد أخرى، لتنعقد في اسطنبول ثم في موسكو ثم في ألماتي عاصمة كازاخستان. هكذا تمر سنتان وإيران مستمرة في التخصيب والحصار عليها ما يزال جزئياً.
عام 2013م: ناتانياهو يرسم أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة خطا أحمر على الورق قائلاً: إن إيران وصلت إلى هذا الخط الأحمر ويجب على العالم (هكذا) إيقاف إيران.
عام 2013م: روحاني يصبح رئيس إيران خلفا لأحمدي نجاد ويعلن إيقافاً مؤقتاً لنشاط التخصيب. بناء على ذلك يتم التخفيف الجزئي للحصار الاقتصادي والتجاري، كما يشترط لرفع الحصار بالكامل شهادة موثقة من وكالة الطاقة الذرية الدولية عن تطبيق إيران لكل المتوجب عليها في الاتفاقات السابقة، على أن ترفع العقوبات خطوة مقابل خطوة، تبدأ برفع الحظر عن التعاملات التي تؤذي المواطن الإيراني بشكل مباشر، وينظر إلى عام 2015م كموعد محتمل لرفع الحصار بالكامل.
عام 2015م: توقع الاتفاقية في فيينا بعد تعهد إيران بالتوقف بنسبة 98 في المئة عن التخصيب، مع الاستمرار في النشاط الضروري في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. مقابل ذلك يرفع الحصار الاقتصادي والتجاري بالكامل عن إيران مع العالم وتعاد لها أموالها المحتجزة (120 مليار دولار). في حالة ثبوت إخلال إيران بتعهدها يعاد فرض الحصار خلال 30 يوماً حتى لو رفضت إحدى دول الفيتو، ولم يذكر في الاتفاق ما سوف يحصل لو رفضت أكثر من دولة تملك حق الفيتو عودة الحصار الاقتصادي.