مندل عبدالله القباع ">
يقول علماء النفس والتربية: كل سلوك له دافع، تحركه خلايا الدماغ التي يقدرها العلماء بأكثر من (50) ألف مليون خلية، كل خلية لها عمل معين بجميع أعضاء الجسم، بقدرة العزيز الحكيم. وبعض دوافع السلوك (يكمن في العقل الباطن)، متى ما أُتيحت الظروف المناسبة لهذه الدوافع خرج هذا السلوك في الوقت المناسب ولو بعد حين. والطفل يعيش في حضن أسرته، وهي المحضن الأول، ويتلقى كل ما يتعلق بسلوكه ودوافعه وخبراته الاجتماعية من هذه الأسرة المختصة باعتبار الأسرة حجر الزاوية بالنسبة لأفرادها. وبعض علماء النفس يقولون إن الطفل قد يتلقى بعض الكلمات والحركات وهو جنين في بطن أمه. والطفل وهو في المجتمع الأول (وهو الأسرة) يكون بمنزلة الإسفنجة؛ يمتص كل ما يدور داخل أروقة أسرته من أفراد الأسرة جميعاً (الأب والأم والإخوان والأخوات)، وهو بهذا يحمل التجارب والخبرات الاجتماعية الأولية، ومن ثم ينتقل إلى المجتمع الثاني (وهو المدرسة)، بما في هذا الوسط من خبرات اجتماعية وثقافات مختلفة؛ لأنه سوف يحتك ويحاكي أقرانه من الطلاب ومعلميه. وكما قلنا، إن هذا الوسط المدرسي يعج بالخبرات الاجتماعية والثقافية؛ فكل طالب يحمل داخله بعض العادات والتقاليد والسلوك التي اكتسبها في محيطه الأسري وبيئة الجيرة. وتختلط هذه التجارب والثقافات والسلوك مع بعضها، منها الإيجابي والسلبي. وقد يحصل بعض الاحتكاك في السلوك أو التراشق في الكلام بين الطلاب، بعضهم مع بعض، أو بعض المعلمين مع بعض الطلاب، وهذا ينطبق أيضاً على الوسط المدرسي في مدارس البنات، خاصة في المرحلتين المتوسطة والثانوية (بنين وبنات). وبعض هذا الاحتكاك والسلوك داخل الوسط المدرسي قد يحصل منه سلوك (مشين ومضاد للوسط المدرسي)، من اعتداء بالضرب أو الطعن بالسلاح الأبيض، سواء بين الطلاب، بعضهم ضد بعض، أو ضد المعلمين. فكما قلنا، لكل سلوك دافع يدفعه حسب تربية الفرد وثقافته وتجاربه الاجتماعية.
وهذا السلوك المشين والمضاد للوسط المدرسي والمجتمع لا بد من علاجه ومعرفة دوافعه من أجل تشخيصه وعلاجه. ولا يقوم بهذه المهمة إلا (الأخصائي الاجتماعي أو الأخصائية الاجتماعية)؛ لأنهما الأقدر على جمع المعلومات التي تشمل حالة الطالب أو الطالبة من حيث الشخصية والأسرة والبيئة والجيرة والتاريخ الشخصي للطالب أو الطالبة.. من أجل الحصول على معلومات كاملة. وبموجب هذه المعلومات يتم تشخيص الموقف، ومن ثم علاجه من قِبل الأخصائي أو الأخصائية الاجتماعية، ومتابعة هذا العلاج حتى يتم الاطمئنان على علاج المشكلة.
أما فيما يخص المعلمين أو الإداريين في المدرسة فهذا له تشخيص وعلاج آخر، قد يدخل فيه أطراف أخرى من مدير المدرسة، أو مديرة المدرسة، أو ولي أمر الطالب، أو ولية أمر الطالبة.. وبناء على هذا نضمن خلو الوسط المدرسي من حصول المشاكل التي تقع. فكم قرأنا وسمعنا عن حالة عنف في المدرسة من طعن وقتل وتكسير وتخريب محتويات المدرسة.
أما خلو المدرسة من وظيفة (الأخصائي الاجتماعي أو الأخصائية الاجتماعية)، وإسناد مهمتها إلى (المرشد الطلابي)، فهذا منافٍ لعمل الأخصائي الاجتماعي المدرسي؛ لأن (المرشد الطلابي) - مع احترامنا له - ليس مؤهلاً لهذا العمل الفني؛ إذ تسند عملية الإرشاد إلى قدماء المدرسين للقيام بهذه المهمة (فنجده مدرس اجتماعيات أو مواد إسلامية)؛ لذا فإنني أناشد معالي وزير التعليم الدكتور (عزام الدخيل) النظر في هذه الوظيفة وتفعيلها في مدارس البنين والبنات، خاصة المرحلتين المتوسطة والثانوية، ولاسيما أن هناك آلاف الخريجين من أقسام الخدمة الاجتماعية في الجامعات من الرجال والنساء بدون وظائف، وهم أولى بممارسة هذه المهنة. وأنا أكتب هذا من واقع خبرة ميدانية لأكثر من (30) سنة.
والله الموفق.