أ.د. زيد بن محمد المرماني ">
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عبده المصطفى، وبعد:
فلقد عُني الإسلام بالزواج عناية خاصة تفوق عنايته بأية علاقة إنسانية أخرى، ويبدو ذلك جلياً في كل ما عرض له الإسلام من مسائل الأسرة، ابتداء بالخطبة وانتهاء بالطلاق عند الضرورة. ولما كان الزواج أساس بناء الأسرة، ولا يمكن أن تقوم أسرة بدون زواج شرعي وجب أن يقوم الزواج على الرغبة والاختيار والرضا المشترك.
ومن ثم، فلا عجب أن أجمع علماء الاجتماع على أن الأسرة عماد المجتمع وأنها إذا قامت على أسس ودعائم قوية استقرت أحوال المجتمع وتوطدت أركانه، وإذا وهنت قواعد الأسرة، ولم يتحقق لها أسباب القوة على اختلاف أشكالها، اضطربت حياة المجتمع واختلّ توازنه. لقد تحفظ الاقتصاديون حوالي قرنين من الزمن عن الكلام عن الأسرة أو في شؤونها وتركوا تلك المهمة لعلماء الاجتماع والمحللّين النفسيين.
أما اليوم فقد أثبت غير واحد من الاقتصاديين المعاصرين أن الزواج بمثابة عقد لتوزيع العمل، فكل من الزوجين يتخصص في مجال معين، وطبقاً للعادات والتقاليد الاجتماعية فإن الزوج هو الذي يعمل في الخارج وتبقى الزوجة في المنزل للقيام بالأعمال المنزلية وممارسة الأمومة. حيث يحققِّ التخصص أفضل تنظيم لموارد الأزواج وأقصى قدر من الرفاهية.
منذ زمن ليس ببعيد كانت الأسرة تلعب دور شركة التأمين، وكان الأطفال يعتبرون نوعاً من الاستثمار. ولكنهم اليوم بمثابة أموال استهلاكية، ولذلك فإن اختيارات الأزواج لهذا النوع من الإنتاج أصبحت مقيّدة بالاقتصاد.
لقد تحفّظ الاقتصاديون حوالي قرنين من الزمن عن الكلام عن الأسرة أو في شؤونها، وتركوا تلك المهمة لعلماء الاجتماع والمحللين النفسيين. والجدير بالذكر أن البحث الوحيد المقدم في تلك الفترة من قبل أحد الاقتصاديين في مجال السكان لم يدعم بالحقائق. فقد أطلق روبير مالتوس صرخة إنذار في بحثه المقدم عام 1798م تحت عنوان: «أصل المشكلة السكانية»، حينما قال إن الزيادة السريعة في السكان تمثل عائقاً ضخماً في طريق التقدم. فكلما زاد الدخل تزوج الشباب في سنّ صغيرة وأنجبوا أطفالاً.
إنّ أول من بيّن أهمية رأس المال البشري أي أهمية المعارف والطاقات التي تعطيها الأسرة للفرد ويكتسبها من خلال التربية والتعليم، هو الاقتصادي الأمريكي جاري بيكر - الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد. فقد اهتم بيكر بالأزواج وخاصة حالات الزواج والطلاق، وذلك من خلال بحثه الرائد حول « الأسرة « إذ عرض بعض الأفكار التي أزعجت أنصار الحركات النسائية، خاصة وأنه يعتبر الزواج بمثابة عقد لتوزيع العمل، فكل من الزوجين يتخصص في مجال ما. وطبقاً للعادات والتقاليد الاجتماعية، فإن الرجل هو الذي يعمل في الخارج وتبقى المرأة في المنزل للقيام بالأعمال المنزلية وممارسة الأمومة.
ومن هنا يمكن القول إن أهم مظاهر البعد الاقتصادي للإسراف في المهور وتكاليف الزواج يتجلى فيما يلي:
أولاً: المبالغة في المهور المتمثلة في الشروط المالية الثقيلة، التي جعلت من العروس سلعة تجارية وميداناً للتفاخر والمزايدات.
ثانياً: المبالغة في بطاقات الزواج وكروت الأعراس، خاصة إذا علمنا أن تكلفة الواحدة منها قد تصل إلى (عشرة ريالات) في المتوسط.
ثالثاً: المبالغة في الهدايا المتنوعة، هدايا الخطبة، وهدايا صباحية العرس، وهدايا أم الزوجة.
إن المبالغة في المهور مصيبة أكثرت من العوانس والعزاب، إذ هي حجر عثرة في طريق الزواج وجمع الرؤوس في الحلال، كما تجرّ المبالغة في المهور الأقساط والديون على الزوج وأهله، وتوقعه في مزيد من الاستدانة لشهور طويلة.
وإذا كانت المغالاة في المهور قبل الزواج سبباً لإعراض كثير من الرجال والشباب عن الزواج، فإنها بعد الزواج ربما تكون سبباً للمشاكل والشقاق والخلافات الزوجية، وربما جرّت إلى الطلاق ومشاكل الانفصال، وتكون النهاية المؤسفة تشردا وتفككا وانهيارا اجتماعيا وأخلاقيا.
ومما يؤسف له، أن لا مقارنة بين ما كان عليه سلفنا الصالح من تيسير للمؤونة وقلة الكلفة والمساعدة المالية والمعنوية، وما نحن عليه اليوم من إسراف وتبذير ومغالاة وتفنّن في النفقات والمصروفات والأقساط والديون.
بَيْدَ أن ما ينبغي التأكيد عليه إرشاد النبي عليه الصلاة و السلام من أن خير النساء والزوجات وأعظمهن بركة أيسرهن مؤنة وكلفة ومهراً.
كما يتجلى البعد الاقتصادي للإسراف في حفلات الزواج في المظاهر التالية:
أولاً: إقامة الأفراح في الفنادق والصالات الخاصة رغم غلاء الأسعار، ويلحظ أن الإقدام على الاستئجار في تزايد، حتى أصبحت صالات الأفراح والفنادق ميداناً للسرف والبطر والمباهاة.
ثانياً: المبالغة في لباس العروس وطرحتها وما يسمّى بالتشريعة، حيث تنفق الأموال الطائلة في أمور كمالية ترفية غير ضرورية.
ثالثاً: التنويع في الأطعمة في مناسبات الزفاف فقد يصل هذا التنويع إلى أكثر من خمسة وعشرين نوعاً من الأطعمة المالحة وخمسة من الحلويات وثمانية من الفاكهة وخمسة من العصيرات الطازجة، إضافة إلى القهوة والشاي قبل الطعام وبعده، والموائد المفتوحة والصّياني الدّوارة.
رابعاً: مآل كثير من الأطعمة والأشربة القمامة، فهناك تلال من هذه القمامة، تتزايد يوماً بعد يوم، وعرساً بعد آخر.
ومازلنا نجد عند أغلب الأسر حتى ذات الدخل المحدود تصرفات لا مبّرر لها سوى العادات والهوى والتقليد والمباهاة، احتفالات مكلّفة، وملابس للنساء والأطفال بأسعار باهظة، وبنود استهلاكية تثقل كاهل ميزانية الأسرة، وخاصة الزوجين وهما في مقتبل حياتهما الأسرية، وما ذلك إلا لتلبية دواعي الاستعراض الاجتماعي وحب التقليد والمباهاة والظهور الاجتماعي والمحاكاة.
ومما ينبغي التأكيد عليه، هنا أن الإسلام لم يشرع في نفقات عقد الزواج سوى المهر المعقول للمرأة، والوليمة المناسبة للعرس، وإكرام الضيوف بما يناسب الحال.
- المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية