د. عبدالرحمن بن عثمان المرشد ">
قبل بضع سنوات تابع عشاق الحب والفروسية مسلسل
(فارس الحب والحرب) محسن الهزاني (1170- 1240هـ) سيرة محسن الهزاني مسطورة في كتب التراث وقصائده محفورة في ذاكرة الرواة، وحكمه أنارت عقول الوجهاء، ونوادره أثرت مجالس الأدباء، قد تعجب عزيزي القارئ أن هذا الشاعر الفارس الأمير سلطان الغرام شبه مجهول عند كثير من عامة الناس، ذلك أن معرفة مثل هذا الأسطورة تتطلب القراءة في التاريخ ومجالسة الحكماء ومسامرة الأدباء وهو ما لا تطيقه النفس البشرية في هذا الزمان، فمع مشاغل الزوجين في الحياة ولهث الأبناء وراء التفاهات من تقليعات وموضات اندثر أكثر تراثنا بسبب تركيز القنوات الفضائية على ثقافة التفاهة من طرب هابط وعري ماسخ ومسابقات سخيفة.
المتابع للاستطلاعات التي أجرتها كثير من الفضائيات والمجلات حول أكثر المسلسلات المعروضة في رمضان جذباً للمشاهد يجد أن المسلسلات التاريخية كمسلسل أم كلثوم والشيخ الشعراوي والإمام المراغي وأوراق مصرية الذي أبدع التلفزيون المصري في توثيقها هي الفائزة كما كان للمسلسلات التراثية كمسلسل أيام شامية، وليالي الصالحية، وباب الحارة الذي قدمها التلفزيون السوري نصيب ليس بالقليل من اهتمام المشاهد، وأخيراً مسلسل نمر ابن عدوان الذي أنتجه التلفزيون الأردني وأخذ جدلاً بين المؤرخين.
أما الفن الخليجي فرغم أن الأنظمة الخليجية تمنع الاختلاط وشرب المسكرات وعادات شعوبها محافظة، نجد أن مسلسلاتها لا تحكي واقع بيئتها، برغم أن الفن الخليجي والسعودي بالذات قادر على أن يحاكي التلفزيون المصري مثلاً في إظهار رموز المجتمع السعودي وتجسيدها في صورة مسلسلات أو أفلام، ولن أتطرق للرموز السياسية أو الدينية، فقد لا يسمح الوضع الراهن لتقديمها بل لرموز يمكنه أن يوثق سيرتهم من خلال الفن المحترم للمشاهد فسيرة الشاعر ابن عثيمين
(ت1363هـ) وعلامة الجزيرة حمد الجاسر (ت1421هـ) وعدد ليس باليسر من سلسلة أدباء الحجاز وأيضاً لو أراد الفن السعودي أن يحاكي التلفزيون السوري لوجد نهضة الرياض في نصف قرن والتنقيب عن البترول وخط التبلاين وغيرها كثير قادرة على إبراز فن سعودي راقٍ بمعلومات مفيدة ومظهرا ثقافة عريقة.
وأعود لأقول لمنتجي المسلسلات الخليجية كفى تهريجا فإمكانات الخليج أكبر من استخدام الفن في الإضحاك والخروج عن العادات والتقاليد وهاكم رأيتم كيف جذبت المسلسلات التاريخية الأصيلة والتراثية المحافظة أنظار المشاهد العربي.